< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣١ و٣٢

كان الكلام فيما اذا وجب الخروج على المعتكف لأجل الإغتسال من الجنابة ولكن خالف ولم يخرج، فهل ذلك يبطل اعتكافه أم لا؟

ذكر السيد الماتن (قده) انه يبطل اعتكافه لحرمة اللبث في المسجد، وهي تقتضي فساد هذا اللبث، وإذا فسد هذا اللبث يفسد اعتكافه، باعتبار فساد جزئه.

وقلنا ان السيد الخوئي (قده) خالف وإلتزم بصحة الإعتكاف، ودليله على ذلك ان وجوب الإعتكاف واللبث في المسجد استثني منه الزمان الذي يستغرقه قضاء الحاجة التي لابد منها، فهذا الزمان غير داخل في الأمر باللبث في المسجد، فإذا كان كذلك لا ضير في أن يكون اللبث في هذا الزمان حراماً، فيكون حاله كحال ما اذا فعل حراماً مثل اغتياب مؤمن في اثناء الإعتكاف الذي لا يضر بصحته، وبناءً على هذا المطلب سوف لا يفرق بين الخروج من المسجد وعدم الخروج منه.

السيد الحكيم (قده) في المستمسك أيضاً ذكر هذا المطلب الذي تعرض له السيد الخوئي، وسبقهما في ذلك المحقق النائيني (قده) في حاشية طويلة له على العروة، فانه ذكر تفصيلاً في المقام بين ثلاث حالات:-

بين ما اذا حصلت الجنابة في أول الإعتكاف، وبين ما اذا حصلت في أثنائه، وبين ما اذا حصلت في آخره، بأن كان ما بقي من الإعتكاف لا يسع لأزيد من الإغتسال وينتهي بانتهائه.

ففي الأول ذهب الى بطلان الإعتكاف؛

وفي الثاني التزم بلزوم المبادرة الى الخروج والإغتسال ثم يرجع الى المسجد لإتمام اعتكافه، وبالنسبة الى محل الكلام -وهو ما اذا تأخر عن الخروج وبقي في المسجد- يقول بأنه لابد من التفصيل بين حالتين:-

الأولى: ما اذا استلزم ذلك تأخر رجوعه اللازم بعد الإغتسال عن اول ازمنة إمكانه كما هو الغالب، فيحكم عليه بالبطلان، ووجهه هو أن هناك فترة زمنية كان بإمكانه ان يكون فيها لابثاً في المسجد وهو لم يلبث فيها لتأخره في الخروج.

الثانية: ما اذا لم يستلزم ذلك تأخر الرجوع اللازم عن أول ازمنة إمكانه، كما اذا كان الماء بعيداً لا يصل اليه الا بعد مدة، ويؤتى[1] بباب المسجد في أيسر من هذه المدة وهو لم يخرج لانتظاره، فلا يستبعد الحكم بصحة الإعتكاف.

وفي الثالث حكم بأن الظاهر ان وجوب الخروج عليه يكون ختماً للإعتكاف، فإعتكافه ينتهي بجنابته لا بغروب الشمس من اليوم الثالث، ويكون لبثه المحرم بعد ذلك خارجاً عنه وغير مفسد له وإن كان حراماً، وهذا في روحه يرجع إلى ما ذكره السيد الخوئي (قده).

السيد الحكيم (قده) في المستمسك ذهب إلى صحة الإعتكاف في حالتين بخلاف السيد الماتن، ونحن نكتفي بذكر الأولى منهما وهي نفس الحالة الأخيرة التي ذكرها المحقق النائيني، وعلل السيد الحكيم صحة الإعتكاف مع حرمة لبثه في المسجد بإنتهاء الإعتكاف بحدوث الجنابة ويكون اللبث بعدها خارجاً عنه، لأن وجوب الخروج حين الجنابة للإغتسال مانع من جزئية اللبث من الإعتكاف فلا تقدح حرمته في صحة الإعتكاف.

والغرض من هذا كله هو بيان أن ما ذُكر مرجعه إلى شيء واحد مع إختلاف التطبيقات، وهو أن هناك وقتاً من اللبث يدعى -بإختلاف الحالات- أنه ليس جزءً من الإعتكاف.

ونحن نتكلم عن ما ذكره السيد الخوئي (قده) من كون زمان قضاء الحاجة التي لابد منها مستثنىً من الإعتكاف من أول الأمر.

وفيه أن إستفادة ما ذكر من النصوص غير واضح، لأن النصوص واضحة وصريحة في عدم جواز خروج المعتكف من المسجد إلا لقضاء حاجة لابد منها؛ وبعبارة أخرى أن المستثنى من حرمة اللبث هو الخروج لقضاء الحاجة وليس المستثنى هو الزمان الذي يسعه قضاء الحاجة ولو لم يخرج. فظاهر النصوص أنه إذا لم يخرج فهو مأمور باللبث بمقدار المدة التي يستغرقها قضاء الحاجة فيما لو خرج، ويكون هذا المقدار جزءً من الاعتكاف، فإذا تعلق به النهي من جهة الجنابة كان النهي مقتضياً لفساد الإعتكاف، بإعتبار فساد جزئه، وهذا يؤدي إلى الإلتزام بما ذكره السيد الماتن من بطلان الإعتكاف فيما لو لم يخرج عندما يكون الخروج واجباً عليه.

 

(مسألة ٣٢): إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره بأن أزاله وجلس فيه فالأقوى بطلان اعتكافه؛

صدق الغصب في المقام فيه نوع من المسامحة، إذ الغصب هو الإعتداء على ما يملكه الغير أو الإستيلاء على مال الغير من دون رضاه، والحال أن المساجد غير مملوكة لشخص؛ فالمقصود من الغصب هو ما ذكره في المتن من إزالة حق الغير الثابت له بالسبق، والأدلة تدل على ثبوت هذا الحق فإن من يجلس في مكان فله حق الأسبقية فيه.

هذه المسألة محررة في كتاب الصلاة بأن إذا أزال شخصاً من مكانه في المسجد غصباً وصلى فيه فهل يحكم بصحة صلاته أو لا؟ وقد إختلفت أقوال الفقهاء فيها، ونفس الكلام هناك يجري في محل الكلام لوحدة المناط، وسنتكلم حولها إن شاء الله تعالى.


[1] أي الماء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo