< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣٠ و٣١

قوله (مما ترجع مصلحته إلى نفسه أو غيره) في ذيل مسألة ٣٠: صورة رجوع المصلحة إلى الغير يستدل لها بما رواه الشيخ الصدوق في الفقيه بإسناده عن ميمون بن مهران

قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي (عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن فلاناً له عليّ مال ويريد أن يحبسني، فقال: والله، ما عندي مال فأقضي عنك، قال: فكلّمه، قال: فلبس (عليه السلام) نعله، فقلت له: يا بن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال له: لم أنس ولكني سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عز وجل تسعة آلاف سنة صائماً نهاره، قائماً ليله.[1]

لكنها غير تامة سنداً حتى لو قلنا بان ميمون بن مهران ثقة او ما يقرب من كونه ثقة، باعتبار انه وإن لم يوثق الا ان البرقي في رجاله ذكر انه من خواص اصحاب امير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا اذا ثبت يكفي في توثيقه، لأن الخواص لا يكونون الا معتمدين ومحل ثقة، لكن المشكلة في السند هي ان طريق الشيخ الصدوق اليه على ما ذكر في المشيخة ضعيف بشخصين، هما أبو يحيى الأهوازي فانه مجهول، ومحمد بن جمهور العمّي الذي قال النجاشي عنه انه ضعيف الحديث، فلا يعمل برواياته سواء فسرنا قوله ضعيف الحديث بما يفيد التضعيف او بشيء آخر كما ذكره بعضهم باعتبار انه لم يوثق.

وغير تامة دلالة، باعتبار انه لا دلالة فيها على ان الخروج لمصلحة الغير لا يبطل الإعتكاف، اذ لا دلالة فيها على ان الإمام (عليه السلام) بعد خروجه لقضاء حاجة المؤمن عاد الى المسجد، لأنه يحتمل انه (عليه السلام) فسخ اعتكافه ثم خرج، فلا دلالة فيها على جواز الخروج بالمعنى الذي نتكلم عنه وهو جواز الخروج لقضاء الحاجة ثم الرجوع لإكمال الإعتكاف بحيث لا يكون هذا الخروج مضراً بصحة الإعتكاف.

 

‌(مسألة 31): لو أجنب في المسجد ولم يمكن الاغتسال فيه وجب عليه الخروج، ولو لم يخرج بطل اعتكافه، لحرمة لبثه فيه.

هذه المسألة تتضمن فرعين:-

الفرع الأول: أنه اذا اجنب في المسجد ولم يتمكن من الإغتسال فيه يجب عليه الخروج.

ووجهه واضح، باعتبار حرمة لبث الجنب في المسجد وهي تقتضي وجوب الخروج عليه من المسجد تخلصاً من الحرام، خصوصاً مع الفرض الذي ذكر في المتن وهو انه لا يمكنه الإغتسال في المسجد. نعم، ذلك المقدار من اللبث الذي يستلزمه الخروج فالظاهر انه مما لابد منه، فهو مضطر اليه فلا يكون حراماً.

لكن الكلام يقع في أن وجوب الخروج في صورة تمكنه من الإغتسال في المسجد هل يكون مطلقاً أو فيه تفصيل؟ يظهر مما ذكرناه قبل قليل أن الخروج للإغتسال إنما يكون واجباً إذا كان ما يستلزمه من اللبث في المسجد وهو جنب أقل مما يستلزمه إغتساله في المسجد إذا امكنه ذلك، فيجب عليه الخروج في هذا الفرض، وأما إذا فرضنا أن ما يستلزمه الخروج من الوقت يكون أكثر أو مساوياً لما يستلزمه الإغتسال في المسجد فلا يجوز له الخروج.

فتبين أن ما ذكره السيد الماتن (قده) ليس صحيحاً على إطلاقه، بل يجب عليه الخروج في الفرض الأول دون الفرض الثاني، إذ في الفرض الأول يجب عليه الخروج تخلصاً من حرمة المكث الزائدة التي يستلزمها الإغتسال في المسجد، وهو غير مضطر إليها حتى نقول بإرتفاعها لتمكنه من الخروج من المسجد، وهذا (مدة بقائه في المسجد أثناء خروجه) يكون من موارد الإضطرار الشرعي بالنسبة لحرمة البقاء في المسجد؛ وأما عدم جواز الخروج في الفرض الثاني فلأن الإغتسال لا يستلزم اللبث المحرم، لمساواة مدة الغسل مع مدة الخروج أو تكون مدة الغسل أقل منها، وهو مضطر للبقاء في المسجد في هذه المدة سواء خرج أو لم يخرج، فترتفع الحرمة لمكان الإضطرار، فيجوز له أن يغتسل في المسجد ولا يجب عليه أن يخرج، بل قد يقال بعدم جواز الخروج له، لإستلزامه فترة بقاء أكثر.

والحاصل أن الصحيح هو التفصيل في هذه المسألة بين الفرضين المتقدمين، وهذا الكلام كله على فرض أن الإغتسال في المسجد لا يستلزم محرماً آخر من قبيل تنجيسه.

 

الفرع الثاني: فيما إذا وجب عليه الخروج ولكنه عصى ولم يخرج فهل يحكم ببطلان إعتكافه؟

ذهب السيد الماتن (قده) إلى بطلانه، واستدل على ذلك بأن بقاءه في المسجد الذي كان حراماً عليه يوجب بطلان الإعتكاف، لأن الإعتكاف عبادة، والنهي في العبادة موجب لبطلانها؛ وبعبارة أخرى أن الإعتكاف هو نفس اللبث في المسجد، فإذا تعلق النهي باللبث فهو نهي عن الإعتكاف، وبالتالي يوجب بطلانه. غاية الأمر أن النهي تعلق بجزء من الإعتكاف، ولكن بطلان الجزء يوجب بطلان الكل.

خالف السيد الخوئي (قده) في ذلك وذهب إلى صحة الإعتكاف[2] ، لأنه يستظهر من الأدلة الدالة على إستثناء الموارد المتقدمة التي جاز فيها الخروج من المسجد أن الزمان الذي يستغرقه أداء الحاجة مستثنى أساساً من زمان الإعتكاف، فإذا فرضنا أن وقت قضاء الحاجة كالإغتسال -مثلاً- مع مقدماته يستغرق نصف ساعة، فهذه المدة من أول الأمر لا يكون داخلاً في الإعتكاف، والإعتكاف يكون ثلاثة أيام ما عدا وقت قضاء الحاجة، ولا يفرق في هذه المدة بين خروجه من المسجد أو عدم الخروج. نعم، يفرق من جهة أنه إذا لم يخرج فقد إرتكب حراماً.

ثم ذكر مثالاً لذلك وهو ما إفترضنا أن شخصاً معتكف في مسجد الكوفة وأجنب، وكان إغتساله يستلزم أن يذهب إلى نهر الفرات، فهو مخير بين أن يذهب بنفسه إلى هناك ويغتسل ويرجع، وبين أن يرسل شخصاً يأتيه بماء من نهر الفرات ليغتسل به، ثم إختار الطريقة الثانية وبالتالي يجب عليه أن ينتظره خارج المسجد لحرمة مكث الجنب فيه، فإذا خالف وإنتظره داخل المسجد ففعل حراماً ولكن إعتكافه صحيح، لأن هذا المقدار من الزمان ليس من الإعتكاف ومستثنى من البداية من الأمر بالإعتكاف وليس مأموراً به، فلا يتعلق النهي بالعبادة المأمور بها حتى يكون سبباً في بطلانها، لأن تعلق النهي بالعبادة يمنع من الإتيان بها على وجه قربي. وهذا الشخص حاله حال من إغتاب مؤمناً أو سبّه حال إعتكافه، حيث أنهما وإن كانا حرامين ولكنهما لا يوجبان بطلان الإعتكاف.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo