< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٧ في نذر الإعتكاف، مسألة ١٨ إشتراط وحدة المسجد

انتهينا في الدرس السابق الى انه لا مانع من التمسك باطلاق الروايات الواردة في المرض والحيض لاثبات شمولها في موردها -قبل التعدي- الى المنذور المعين، ومن ثَمَّ التعدي من موردها الى محل الكلام، ومن يقول بوجوب القضاء لم يتوقف في التعدي الى محل الكلام، ولهذا ذكر عدم القول بالفصل كدليل على التعدي، بل قلنا ان السيد الخوئي (قده) جزم بذلك، وذكرنا نكتة تؤيد ما ذهب اليه وهي تعتمد على دعوى وجود ملازمة عرفية بين وجوب القضاء في مورد الروايات وبين وجوب القضاء في محل الكلام، على اساس ان التفكيك بينهما بلحاظ هذا الحكم ليس عرفياً، بأن يقال اذا اخل المعتكف باعتكافه لسبب غير اختياري لمرض او حيض تجب عليه الإعادة، لكن اذا اخل به لسبب اختياري وعمدي لعصيان او اضطرار او نسيان لا تجب عليه الإعادة؛ وعليه فيكون ما ذهب اليه المشهور من وجوب القضاء في الإعتكاف المنذور المعين هو الصحيح فيكون حاله حال الصوم المنذور المعين.

 

ثم قال السيد الماتن (قده) في الفرع الثاني من المسألة: ولو غمت الشهور فلم يتعين عنده ذلك المعين عمل بالظن، ومع عدمه يتخير بين موارد الإحتمال.

 

مآل ما ذكره السيد الماتن (قده) الى انه عند تعذر الامتثال القطعي ينتقل الى الامتثال الظني، واذا لم يتمكن منه لعدم حصول الظن فحينئذٍ يكون حكمه التخيير بين الافراد، فاذا كان المنذور اعتكاف شهر رجب يختار شهراً من الشهور ويعتكف فيه، هذا هو المنسوب الى المشهور.

وقد تقدم نظير هذه المسألة بالنسبة إلى الصوم في فصل طرق ثبوت الهلال من كتاب الصوم مسألة رقم ٨، والحكم الذي ذكر هناك هو نفس الحكم المذكور هنا من انه ينتقل الى الظن ثم التخيير، وقد بحثناها مفصلاً والنتيجة التي توصلنا اليها هناك هي اننا نستفيد من الصحيحة الواردة في ذلك الباب ما ذهب اليه المشهور من ان العمل يكون بالظن، بل قلنا ان المسألة اعم من الظن فتعم كل احتمال راجح ولو لم يبلغ درجة الظن اذا كان معتداً به، والصحيحة هي ما يرويه عبد الرحمن بن ابي عبد الله

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل أسرته الروم ولم يصح له شهر رمضان ولم يدر أي شهر هو؟ قال: يصوم شهراً يتوخى ويحسب، فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه، وإن كان بعد شهر رمضان أجزأه.[1]

 

وبالنسبة الى صورة عدم حصول الظن او الإحتمال الراجح فقد تقدم منا سابقاً أن الصحيح عدم التخيير، وإنما يجب عليه الصيام حتى يضطر إلى ترك الصيام كما لو وقع في الحرج، وذلك للعلم الإجمالي بأن واحداً من هذه الشهور هو شهر رمضان، ويجب صوم شهر رمضان ولا يجوز له تركه، فيجب عليه الإحتياط بأن يصوم جميع الشهور إلى أن يصل إلى حد الإضطرار والحرج، وهذا ما تقتضيه قواعد باب العلم الإجمالي، وليس مقتضاها التخيير، والكلام يقع في إمكان تعميم الأحكام المذكورة في تلك المسألة إلى محل الكلام أي الإعتكاف المنذور المعين. فنقول في الجواب أنه يجب التفريق بين نوعين من الأحكام:-

الأول: الأحكام التي أثبتناها إستناداً إلى صحيحة عبد الرحمن.

الثاني: الأحكام التي أثبتناها إستناداً إلى القواعد العامة.

النوع الأول من الأحكام التعدي فيه من تلك المسألة إلى محل الكلام يكون صعباً، ومن أهم هذه الأحكام مسألة جواز العمل بالظن الذي هو على خلاف القاعدة للأدلة الدالة على عدم حجية الظن، فلا نلتزم بجواز العمل به إلا في بعض الموارد الخاصة التي دل الدليل عليها كموارد الظن بالركعات وكذلك في مورد الرواية، فهي مختصة بالأسير والمحبوس إذا غُم شهر رمضان عليه فيكون الظن حجة عليه، ولا يمكن تعميمه إلى نذر الإعتكاف المعين، فالتعدي على الأقل ليس واضحاً.

أما النوع الثاني من الأحكام فيمكن تطبيقها في المقام، كما هو الحال في حكم المشهور بالتخيير بعد تعذر الإمتثال القطعي والظني إستناداً إلى القاعدة التي تقتضي ذلك بحسب رأيهم. وأيضاً في الإضطرار إلى بعض غير المعين في موارد العلم الإجمالي حيث يتخير المكلف فيه، لأنّ الإضطرار يرتفع بإرتكاب فرد من الأفراد، كما لو كانت هناك آواني في بعضها ماء متنجس وهو يضطر إلى أحدها غير المعين، فيتخير في الشرب من أيّ منها؛ هذا على رأي بعض، أما الآخرون فيقولون أن العلم الإجمالي يسقط عن المنجزية في هذه الحالة كما يسقط عن المنجزية في موارد الإضطرار إلى المعين، بمعنى جواز إجراء الأصول المؤمنة بالنسبة إلى الأطراف التي لا إضطرار إليها، فحينئذٍ يختار المكلف طرفاً واحداً يصومه أو يعتكف فيه ولا داعي للصوم أو الإعتكاف في باقي الأطراف.

والغرض من هذا البيان توضيح أن الحكم في المسألة يكون على طبق القواعد وليس إستناداً إلى رواية، فنطبق القواعد في مسألتنا بحسب النتيجة التي توصلنا إليها هناك إما الإحتياط إلى أن يصل إلى حد الحرج وذلك لمقتضى العلم الإجمالي كما إخترناه، أو التخيير كما اختاره بعض بالبيان المتقدم.

 

(مسألة ١٨): يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد، فلا يجوز أن يجعله في مسجدين سواء كانا متصلين أو منفصلين، نعم لو كانا متصلين على وجه يعد مسجداً واحداً فلا مانع.

 

مسألة إشتراط وحدة المسجد مسألة مسلمة عندهم، وهذا الحكم كما ذكر يستفاد من النصوص الواردة في بعض موارد الإعتكاف، من قبيل النصوص الدالة على وجوب الإعتكاف في المسجد الجامع وهي نصوص كثيرة مضمونها (عدم جواز الإعتكاف إلا في مسجد جامع)، وظاهرها وحدة المسجد؛ وحملُها على جنس المسجد وبالتالي جواز الإعتكاف في أكثر من مسجد كما لو لم يشترط كون المسجد مسجداً جامعاً خلافُ الظاهرِ. ومن قبيل الروايات الواردة في من خرج من المسجد لحاجة وأدركته الصلاة فإنه لا يجوز له أن يصلي -في غير مكة- إلا في المسجد الذي سمّاه، أي كان معتكفاً فيه، إذ لو جاز الإعتكاف في مسجدين لما نهت الروايات عن الصلاة في غير المسجد الذي اعتكف فيه، وهي روايات كثيرة واردة في الباب الثامن، ومقتضى إطلاقها عدم جواز الصلاة حتى في مسجد آخر إلا في المسجد الذي إعتكف فيه.

ولعل الإستدلال بالسيرة المتشرعة يكون أوضح، إذ سيرتهم عند إعتكافهم قائمة على وحدة المسجد الذي يعتكفون فيه وعدم جواز تعدد المسجد، ويتوقفون في الإنتقال من مسجد إلى آخر.

أما ما ذكر فليس واضحاً في المدعى، إذ الدليل الأول (أي النصوص الدالة على وجوب الإعتكاف في المسجد الجامع) فيه نوع من الظهور، لكن ليس واضحاً أنه وصل إلى تلك المرتبة من الظهور الذي يمكن التمسك به، وكذا الدليل الثاني (أي ما دل على أن من خرج من المسجد لحاجة وأدركته الصلاة فإنه لا يجوز له أن يصلي إلا في المسجد الذي سمّاه) فيمكن أن يكون ناظراً إلى عدم جواز الصلاة في الطريق، أو عدم جواز الصلاة في مسجد آخر بنية الصلاة فيه لا بنية إتمام الإعتكاف، فليس ناظراً إلى عدم جواز إتمام الإعتكاف في مسجد آخر.

فنتمم هذه الأدلة بالسيرة والإرتكاز (ولعله الإرتكاز يكون أوضح من السيرة) على أنه يشترط وحدة المسجد في الإعتكاف.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo