< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٤ في نذر الإعتكاف

لا زال الكلام في الجهة الاولى من الفرع الثاني من المسألة الرابعة عشر، حيث ذكرنا ان الأقوال في المسألة ثلاثة، ثالثها القول بالتفصيل، وصرنا بصدد بيان منشأ هذا القول، و بينّا الوجه الأول الذي يحتمل ان يكون هو منشأ هذا القول، ويقع الكلام في الوجه الثاني فنقول:

يحتمل ايضا ان يكون منشأ هذا التفصيل هو دعوى ان اشتراط التتابع لفظاً يستفاد منه الإرتباط بين اجزاء ذلك المركب، بحيث يكون المجموع واجباً ارتباطياً، فيكون هناك ارتباط بين اجزائه في الوجوب والإطاعة والإمتثال، لا ان كل واحد من الأجزاء له امتثال خاص، وبعبارة فنية يستفاد من اشتراط التتابع لفظاً الارتباط بين الأجزاء في الوجوب ثبوتاً وسقوطاً، واذا كان كذلك فالإخلال بجزء يبطل الجميع، فيجب قضاء الجميع، واما اذا لم يشترط التتابع لفظاً بل كان مشترطاً معنى فانه لا يستفاد منه ما تقدم من الإرتباط بين الأجزاء، وكأن كل جزء يلحظ كأمر مستقل له وجوب خاص ثبوتاً وسقوطاً، فلا ارتباط بين الأجزاء الا بمقدار ان هذا قبل هذا وهكذا، وهذا ليس الارتباط المصطلح، فإذا أخل بجزء لا موجب لقضاء الجميع، بل يجب قضاء خصوص ما أخل به.

 

الذي يمكن ان يقال: أنه يوجد في المقام أمران لابد من تنقيحهما:-

الأمر الأول: فهو عبارة عن مقتضى القاعدة في صورة ما اذا نذر ان يعتكف في ايام معينة من رجب -مثلاً- من دون اشتراط التتابع لفظاً، من جهة ان الإخلال بيوم من هذه الأيام هل يوجب فساد ما جاء به قبل ذلك اليوم او لا؟

الأمر الثاني: فهو ان اشتراط التتابع لفظاً هل يستفاد منه الإرتباط بين الأجزاء بالمعنى المصطلح المتقدم او لا يستفاد منه ذلك؟

فاذا توصلنا في الأمر الأول الى ان مقتضى القاعدة هو ان الاخلال بالجزء يوجب فساد الأجزاء الأخرى، وتوصلنا في الأمر الثاني الى ان المستفاد من اشتراط التتابع لفظاً هو الإرتباطية التي تنتج ايضاً فساد ما تقدم على اليوم الذي اخل به، فيكون ما استفدناه من اشتراط التتابع لفظاً موافقاً لمقتضى القاعدة، واما اذا توصلنا الى ان مقتضى القاعدة هو عدم فساد باقي الأجزاء عند الإخلال بأحدها، وتوصلنا الى ان الى ان المستفاد من اشتراط التتابع لفظاً هو الإرتباطية كان ذلك مخالفاً لمقتضى القاعدة، فنرفع اليد به عن مقتضى القاعدة ونلتزم بفساد الكل.

 

بالنسبة الى الامر الأول نقول ان الصحيح ان القاعدة لا تقتضي ان يكون الإخلال بالجزء موجباً للاخلال بما تقدمه من الأجزاء وافساده، وذلك لعدم الدليل عليه لما اشرنا اليه من انه لا يوجد أي ارتباط بين هذه الأجزاء الا الارتباط والتسلسل الزماني بين الأجزاء، اذ الإرتباط المصطلح لا يستفاد من نذر الناذر عندما ينذر أن يعتكف شهر رجب مثلاً، لا ايام شهر رجب بذاتها تقتضي هذا النحو من الارتباط ولا النذر يستفاد منه ذلك، فيكون كل واحد من الأيام مستقلاً فهو نذر ان يعتكف في هذا اليوم وفي ذاك اليوم وهكذا، نعم لابد من التتابع فاذا اخل بالتتابع في يوم لا تبطل الأجزاء السابقة.

بعبارة أخرى أنّ بطلان الأجزاء السابقة مبنيٌ على إفتراض الإرتباط بين أجزاء هذا المركب، والإرتباط المقصود هنا هو الإرتباط في الوجود بالإمتثال والعصيان والذي لازمه أن يكون هناك وجوب واحد متعلق بالمجموع، وهذا الإرتباط يحقق ما ذكروه من أنّ الإخلال بيوم يوجب فساد ما تقدمه من الأيام، ولكن السؤال هنا أنّ الإرتباط في محل الكلام كيف يستفاد من مجرد نذر إعتكاف شهر معين؟ ولا قرينة على الإرتباط في النذر، ومن هنا يمكن أن يقال أن مقتضى القاعدة هو أن الإخلال بيوم في مثل هذه الموارد لا يوجب الإخلال بما قبله من الأيام إلا إذا ثبت الإرتباط بين أجزاء المركب بالمعنى المتقدم، وقد قلنا أنه لا يوجد دليل عليه ولا يفهم ذلك لا من نفس النذر ولا من غير النذر، فبقطع النظر عن النذر لم يوجب الشارع الإعتكاف في الأيام المنذورة، وإنما أستفيد الوجوب من النذر، والناذر نذر بالصيغة التي لا يستفاد منها وجود الإرتباط.

 

أما الأمر الثاني فنقول هل يستفاد من إشتراط التتابع لفظاً الإرتباط أو لا يستفاد منه ذلك؟ والصحيح عدم إستفادة ذلك، فما يستفاد منه هو التتابع أي أنّ هذا الجزء قبل الجزء الآخر، وكذلك يستفاد منه عدم الفصل بين الأجزاء، فإشتراط التتابع لفظاً لا يستفاد منه شيء أزيد من إشتراط التتابع معنى، وبناء على هذا فيجب على المكلف قضاء ما أخل به فقط من دون فرق بين نحوي إشتراط التتابع، وأنّ التفصيل بين الإشتراطين اللفظي والمعنوي لا يساعد عليه الدليل.

ومن هنا يدور الأمر في أصل المسألة بين الإحتمالين الأول الذي يقول يجب عليه قضاء الجميع والثاني الذي يقول بإقتصار القضاء على ما أخل به فقط،

والذي قد يناقش فيه بأن التتابع لم يتحقق في الجميع وإنما تحقق في البعض، وهذا لا يكفي في الإمتثال، لأن المفروض هو إعتبار التتابع في الجميع بنفس النذر وهذا لم يتحقق للإخلال بالبعض، وحينئذ يجب عليه أن يقضي الجميع لكي يتحقق المنذور.

وهذه المناقشة مبنية إمّا على إفتراض الإرتباط بين الأجزاء، فالإخلال بالبعض يكون إخلالاً بالجميع، والجواب عنه هو ما تقدم من أن مفروض المسألة في المقام لا يفهم منه الإرتباطية بهذا المعنى.

وإمّا على دعوى أن الناذر لاحظ في نذره إنضمام كل جزء إلى ما قبله فيجب عليه حينئذٍ قضاء الجميع، لأن ما جاء به الناذر لم يأت به على وجه الإنضمام، فهو لم يأت بالمنذور، والإتيان بالمنذور لا يتحقق إلا بأن يقضي الجميع، وفيه أنه كيف يمكن إثبات أنّ الناذر في صيغة النذر المطروحة في المسألة لاحظ الإنضمام ونذر إعتكاف شهر رجب على نحو الإنضمام بين الأيام على نحو يكون الإنضمام جزء المنذور الذي نذره. وما فرض في المسألة كما يحتمل فيه هذا كذلك يحتمل فيه إحتمال آخر وهو أن الناذر لاحظ كل يوم بشكل مستقل من دون ملاحظة الإنضمام، فلا يجب عليه إلا قضاء اليوم الذي أخل به، وسيأتي الكلام عن هذين الإحتمالين.

اختار السيد الخوئي (قده) الإحتمال الثاني وهو وجوب قضاء ما أخل به فقط، وأستدل له بأن الدليل على وجوب القضاء في المقام هو الإجماع ولا يوجد دليل لفظي على ذلك، والمتيقن من الإجماع على سبيل الإجماع المركب هو وجوب قضاء ما أخل به فقط، أما وجوب قضاء الجميع فلا إجماع عليه، لمخالفة بعض الأصحاب كصاحبي المدارك والمسالك.[1]

أقول أن كلامه يرجع في روحه إلى التمسك بأصالة البراءة، إذ وجوب قضاء ما أخل به ثابت بالإجماع فنلتزم به، أما وجوب قضاء ما عدا ذلك -وهو وجوب قضاء الجميع- لا دليل عليه فنرجع فيه إلى الأصول العملية، وهي البراءة في المقام.

لكنه قد يناقش في ما قاله السيد الخوئي (قده) كما ذكر في بعض الكلمات بأن المرجع -عندما تصل النوبة إلى الأصول العملية- ليس دائماً البراءة، بل في بعض الأحيان المرجع يكون الإشتغال، كما لو فرضنا أن الناذر علم إجمالاً أنه قصد أحد نحوي التتابع المتقدم ذكرهما -أي التتابع الذي يكون كالتتابع المعتبر في شهر رمضان الذي لايضر الإخلال بيوم بما سبق من الأيام، والتتابع الذي يكون كالتتابع المعتبر في صوم الكفارة الذي يبطل الجميع بالإخلال بيوم منه-، ففي هذا الفرض يجب عليه الإحتياط، لأنه لو إقتصر على قضاء ما أخل به لا يتيقن بفراغ ذمته من عهدة التكليف، لإحتمال أن ذمته قد إشتغلت بقضاء الجميع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo