< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٥ قطع الإعتكاف

كان الكلام في الدليل الثالث على القول الأول وذكرنا ملاحظة عليه، ويقع الكلام الآن في الملاحظة الثانية عليه:-

ثانياً: بأن روايات القول الثالث -التي سيأتي بيانها- صريحة في جواز الخروج من المسجد في اليومين الأولين، وفيها ظهور في أنه بعد الخروج لا يجب على المكلف شيء لا قضاء ولا إعادة، وهي أخص من روايات القضاء، لأن روايات القضاء تشمل بإطلاقها الأيام الثلاثة، إذ الوارد فيها لفظ (المعتكف والمعتكفة) الشامل للأيام الثلاثة، وصدق هذا العنوان لا يتوقف على الدخول في اليوم الثالث كما هو واضح، بينما الدليل الدال على جواز الخروج وعدم وجوب الإتمام مختص باليومين الأولين، وهي (روايات القول الثالث المفصلة بين اليومين الأولين واليوم الثالث) روايتان:-

 

الأولى: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا إعتكف يوماً ولم يكن إشترط فله أن يخرج ويفسخ الإعتكاف، وإن أقام يومين ولم يكن إشترط فليس له أن يفسخ إعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام.[1]

وذكر عدم إشتراط الفسخ في الرواية إنما هو لبيان الفرد الأخفى، بإعتبار أنه مع إشتراط الفسخ يكون جواز الخروج واضحاً.

 

الثانية: صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال: من إعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر.[2]

وهي واضحة في أن الإلزام بالبقاء وعدم جواز الخروج يكون فيما إذا أقام يومين، ويفهم منها أنه قبل ذلك يكون الخروج جائزاً له. نعم هي ناظرة إلى الثلاثة بعد الثلاثة الأولى.

فهاتان الروايتان تكون أخص من أخبار القضاء التي تقول يجب القضاء مطلقاً بالخروج حتى في اليومين الأول والثاني، ونستفيد من وجوب القضاء فيها وجوب الإعتكاف، لأنه لا يتصور القضاء إلا إذا كان الفائت واجباً، وكذلك نستفيد منه وجوب المضي في الإعتكاف فكأنها تقول أنّ المرأة يجب عليها المضي في إعتكافها في جميع الأيام الثلاثة، هذه أخبار القضاء، وأما صحيحتا محمد بن مسلم وأبي عبيدة فتدلان على عدم وجوب المضي وعلى جواز الخروج في اليومين الأول والثاني، فتكونان أخص مطلقاً من روايات القضاء، فيجمع بين الطائفتين بالتقييد والتخصيص، فيلتزم بجواز الخروج في اليومين الأولين، ولكن في اليوم الثالث لا يجوز الخروج، ولازم هذا الجمع حمل روايات القضاء على اليوم الثالث كما فعلنا ذلك في دليل الكفارة بالجماع، وكان أحد الأجوبة هناك هو تخصيصها بهاتين الروايتين ونخرج منها اليومين الأول والثاني، ونحملها على خصوص اليوم الثالث، وهذا الجمع ذكره الفقهاء كالمحقق والعلامة، وهو وإن كان فيه نوع من التوسع -لأن الروايات وردت مطلقة حيث ورد التعبير بالمعتكفة مطلقاً- لكن يتعين الإلتزام به في مقابل أن نطرح هذين الخبرين الصحيحين والصريحين في التفصيل بين اليومين الأول والثاني وبين اليوم الثالث، فلا يمكن طرحهما ولا تأويلهما، فيتعين أن نحملها على هذا الحمل -إذا سلمنا أن روايات القضاء تدل على وجوب المضي-، فحينئذ تكون النتيجة أنّ المعتكفة إذا فاجأها الحيض في اليوم الثالث فيجب عليها أن تخرج وتتم حيضها ثمّ يجب عليها القضاء.

بيد أن هناك إحتمالاً يمنع من الإستدلال بالروايات وهو أنّ روايات القضاء محمولة على الإعتكاف الواجب بنذر أو إستئجار أو شبهه، فهي ناظرة إلى الإعتكاف الواجب، ويشهد لهذا الإحتمال ورود التعبير بالقضاء في بعض الروايات، فالواجب هو الذي يكون فيه قضاء بخلاف المندوب فلا يجب فيه القضاء إلا إذا كان لهذا المندوب قضاء، فعليه -وبغض النظر عن كيفية معالجة إطلاق روايات القضاء الذي يشمل اليومين الأولين- تكون روايات القضاء أجنبية عن محل كلامنا الذي هو الإعتكاف المندوب.

نعم يمكن أن يصير الإعتكاف المندوب واجباً بالتعبد الشرعي بمجرد الشروع فيه لكن هذا أمر غير موافق للقواعد، فإذا دل الدليل عليه نلتزم به، ولكن يبقى تحول النفل إلى فرض بحيث يكون واجباً ويجب إتمامه ولا يجوز فسخه بمجرد الشروع فيه أمراً غريباً، وهذا يقوي إحتمال حمل روايات القضاء على الإعتكاف الواجب. هذا بالنسبة إلى القول الأول.

 

القول الثاني: أنّ الإعتكاف المندوب لا يكون واجباً بعد الشروع فيه في جميع أيام الإعتكاف، فيجوز فسخه وإبطاله ورفع اليد عنه حتى في اليوم الثالث، وهذا القول تقدم الكلام فيه، وفي دليه والجواب عنه، وقد تقدم أنه إختاره السيد المرتضى على ما حكي، وإبن إدريس الحلي، والعلامة.

 

القول الثالث: -وهو المشهور والمعروف- التفصيل بين اليومين الأولين فلا يكون الإعتكاف فيهما واجباً فبالتالي يجوز الخروج فيهما، وبين يوم الثالث فلا يجوز ذلك لصيرورة الإعتكاف واجباً فيه. ومستند هذا القول هو صحيحتا محمد بن مسلم وأبي عبيدة المتقدمتان. نعم صحيحة أبي عبيدة تختص بالثلاثة الثانية كما تقدم. وممن ذهب إلى هذا القول هو إبن الجنيد على ما حكي عنه، وإبن البراج، وظاهر الشيخ في النهاية، والمحقق في الشرائع، وكثير من المتأخرين كالسيد الماتن (قده).

العلامة طعن في هذا القول وهو ناظر إلى صحيحة محمد بن مسلم، بإعتبار وجود إبن فضال في سندها وهو فطحي، لكن أجيب عنه أولاً بأن (علي بن الحسن بن فضال) وقع في أحد طرق هذه الرواية وهو طريق الشيخ لها[3] ، ولكن لم يقع في طريق الشيخ الكليني لها وهو طريق صحيح[4] .

وثانياً بأنه ثقة وجليل وممدوح بمدح كبير، والظاهر أن الفطحية في فترة قصيرة خرجوا عن المذهب الحق ثم رجعوا إليه، وعلى كل حال فساد مذهب الراوي لا يمنع من الأخذ برواياته إن كان ثقة.

فلا إشكال في التمسك بهاتين الصحيحتين، ولا تعارضهما رواية أخرى، ولا يوجد إجماع على خلاف مضمونهما حتى نتوقف في التمسك بهما، فيتعين الأخذ بهما وبذلك يثبت القول الثالث.

هذا كله إذا كان الإعتكاف مندوباً، أما الإعتكاف الواجب فسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.


[3] حيث رواها الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن [بن فضال]، عن الحسين [هذا إشتباه كما نبهوا عليه، والصحيح هو الحسن، والمقصد منه الحسن بن محبوب] عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام).
[4] وهذا هو طريقه: محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن إبن محبوب [وهو الحسن بن محبوب]، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo