< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة٤ هل يعتبر في صوم الإعتكاف أن يكون لأجله/مسألة ٥ قطع الإعتكاف

الكلام يقع في المسألة الرابعة، قال السيد الماتن (قده):

(مسألة ٤): لا يعتبر في صوم الإعتكاف أن يكون لأجله، بل يعتبر فيه أن يكون صائماً أيّ صوم كان…

وجه ما ذكره (قده) هو أن الأدلة لا يفهم منها أكثر من إشتراط أن يكون المعتكف صائماً، ولا يعتبر أن يكون الشخص قد أتى بالصيام لأجل الإعتكاف -كما هو الحال في إشتراط الطهارة في الصلاة، حيث إن المعتبر هو أن يكون المصلي متطهراً، ولا يفهم من إعتبارها في الصلاة أن تكون الطهارة المأتي بها لأجل الصلاة، بل لو أتى بها لغرض آخر فإنه يكون محققاً للشرط- ولذا لا يفرق في الصوم المحقق لهذه الشرطية بين أن يكون مستحباً أو واجباً، والواجب لا يفرق فيه بين صوم شهر رمضان وغيره.

وهذا مما لا خلاف فيه، وفي بعض العبائر أن عليه فتوى علمائنا، والدليل الواضح على أنه لا يعتبر في الصيام أن يكون لأجل الإعتكاف هي الروايات التي تتكلم عن إعتكاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شهر رمضان، ولا نحتمل وجود خصوصية لصوم شهر رمضان، بحيث يجوز الإتيان بالصوم الواجب لشهر رمضان في الإعتكاف لكن لا يجوز فيه الإتيان بالصوم الواجب للنذر أو الإجارة.

ثم فرّع (قده) على ما تقدم في المتن وقال: فيجوز الإعتكاف مع كون الصوم استئجارياً أو واجباً من جهة النذر ونحوه، بل لو نذر الإعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجر نفسه للصوم ويعتكف في ذلك الصوم، ولا يضره وجوب الصوم عليه بعد نذر الإعتكاف، فإن الذي يجب لأجله هو الصوم الأعم من كونه له أو بعنوان آخر، بل لا بأس بالإعتكاف المنذور مطلقاً في الصوم المندوب الذي يجوز له قطعه، فإن لم يقطعه تم إعتكافه وإن قطعه إنقطع ووجب عليه الاستئناف.[1]

قوله (المنذور مطلقاً) في ذيل عبارته في قبال المنذور المعين.

وقوله (وإن قطعه إنقطع) المراد منه أنه لو قطع الصوم المندوب إنقطع الإعتكاف ولا مشكلة في ذلك، لأن المنذور مطلقٌ بحسب الفرض فيجب عليه إستئناف الإعتكاف، وبهذا يفترق عن الصوم المنذور المعين، فإنه لا يجوز له قطعه لوجوب الوفاء بالنذر، فجواز القطع فيما إذا كان الصوم مندوباً وكان الإعتكاف واجباً بالنذر يختص بما إذا كان المنذور منذوراً مطلقاً، وذلك لأنه لا يجب عليه الوفاء بالنذر في خصوص هذه الأيام.

 

(مسألة ٥): يجوز قطع الإعتكاف المندوب في اليومين الأولين، ومع تمامهما يجب الثالث، وأمّا المنذور فإن كان معيناً فلا يجوز قطعه مطلقاً وإلّا فكالمندوب.[2]

 

تعرض السيد الماتن (قده) في هذه المسألة إلى جواز قطع الإعتكاف المندوب والواجب. فنقول ابتداء أن جواز القطع في الإعتكاف المندوب محل خلاف، فإنهم إختلفوا في أن الإعتكاف المندوب هل يكون واجباً بالشروع فيه أو لا على ثلاثة أقوال:-

القول الاول: أن الإعتكاف يصبح واجباً بالشروع فيه، نظير الحج المندوب الذي يصبح واجباً عند الشروع فيه، وهذا القول هو المحكي عن الشيخ في المبسوط والحلبي وإبن زهرة وغيرهم، وبناء عليه لا يكون هناك فرق بين اليوم الأول والثاني وبين اليوم الثالث، فيحرم إبطال الإعتكاف مطلقاً حتى في اليومين الأول والثاني.

ويستدل له بوجوه نذكر أهمها:-

الوجه الأول: مسألة حرمة إبطال العمل إستناداً إلى قوله تعالى ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾[3] فيقال أن هذا يشمل محل الكلام، فالإعتكاف المندوب مشمول لمضمون الآية من حرمة إبطال العمل بعد الشروع فيه، وبالتالي يجب عليه إتمامه فيصير واجباً حتى في اليوم الأول والثاني منه.

وفيه: أنه لقد تقدّم مراراً أنّ هذا الإستدلال غير تام، لأنّ الآية المباركة ليست ناظرة إلى مسألة إبطال العمل بعد الشروع فيه، بل الظاهر أنها ناظرة إلى إبطال العمل بعد الفراغ منه وفسرت بهذا التفسير، بإعتبار أن الإبطال لا يكون إلا بعد الفراغ منه، فالمقصود منها هو أنه لا تعملوا عملاً يؤدي إلى إبطال الأعمال العبادية بعد الفراغ منها، وهذا يكون نظير قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ﴾[4] وهذا التفسير هو الذي إختاره المحققون وبالخصوص الشيخ الأنصاري (قده)، فقد نقحه وقال أنّ هذا هو المقصود بالإبطال، ولعل التعبير بصيغة الإفعال يناسب هذا التفسير، وعلى كل حال فهذا هو التفسير الصحيح للآية.

ولو ناقش أحد وقال بعدم إمكان الإلتزام بهذا التفسير فنقول يلزم من تعميم الآية للمستحبات تخصيص الأكثر المستهجن، لأنّ جميع المستحبات يجوز إبطالها في الأثناء إلا مستحب واحد إستثنوه من ذلك وهو الحج المندوب.

وقد يناقش بعدم وجود هذا المحذور، لأنّ الآية من البداية تدل على حرمة إبطال العمل في الأثناء في الواجبات وخصوص الحج المندوب من المستحبات لا أنها تشمل جميع المستحبات، فحينئذ لا يلزم تخصيص الأكثر المستهجن، لعدم وجود عنوان في الدليل يشمل جميع المستحبات. ولكن على هذا الإحتمال في تفسير الآية يبقى الكلام في أنه ما الذي أوجب تخصيص الحج المندوب من بين كل المستحبات، فدخل الحج المندوب في حرمة إبطال العمل دون باقي المستحبات.

والصحيح في الجواب أن يقال على تقدير أن تكون الآية دالة على حرمة إبطال العمل في الأثناء وأنها تشمل الواجبات والمستحبات، فجوابه أنّ هذا يشمل محل الكلام -الإعتكاف المندوب- بالإطلاق، بإعتباره عملاً مستحباً، وسيأتي أن هناك أدلة معتبرة تدل على جواز إبطال الإعتكاف المندوب في اليومين الأول والثاني وعدم وجوب إتمامه فيهما، فيخرج الإعتكاف المندوب بالتقييد.

الوجه الثاني: التمسك بالروايات الدالة على وجوب الكفارة بالجماع قبل تمام الثلاثة، فإطلاق تلك الروايات يدل على أن الجماع يوجب الكفارة حتى في اليوم الأول والثاني، فعليه ما على المظاهر كما ورد ذلك في روايات كثيرة، وبناء على الملازمة بين الكفارة وبين الحرمة -إذ لا معنى للكفارة عن أمر مباح- تثبت حرمة إبطال الإعتكاف مطلقاً.

والجواب عنه هو أن أصل وجود الملازمة بين ثبوت الكفارة والحرمة محل كلام، لثبوت الكفارة في موارد ليس فيها تحريم ككفارات الإحرام الكثيرة التي تثبت في حال الإضطرار والنسيان والغفلة، ففي هذه الموارد ترتفع فيها الحرمة ومع ذلك تثبت فيها الكفارة، فالظاهر عدم وجود ملازمة بين ثبوت الكفارة والحرمة٠ على أنه لو سلّمنا بالملازمة المذكورة فما يثبت بهذا الوجه هو حرمة إبطال الإعتكاف مطلقاً حتى في اليومين الأول والثاني بالجماع فقط، ولا يثبت به حرمة إبطاله كذلك في غير الجماع. وعليه الدليل يكون أخص من المدعى، إذ المدعى هو حرمة إبطال الإعتكاف مطلقاً بأيّ شيء (أي كان بالجماع أو غيره) كالخروج من المسجد عالماً عامداً. مضافاً إلى ما تقدم في الوجه السابق من أنه لو تم هذا الوجه فهو يدل بالإطلاق على شمول الحكم للأيام الثلاثة كلها، فيمكن تقييده بالروايات المفصلة بين اليومين الأول والثاني فيجوز إبطال الإعتكاف فيهما وبين اليوم الثالث فلا يجوز ذلك.

القول الثاني: عدم وجوبه مطلقاً حتى في اليوم الثالث، وهو المحكي عن السيد المرتضى وإبن إدريس الحلي والعلامة، وقيل أن هذا القول الأشبه بالمذهب.

ويستدل له بالأصول المؤمنة، والمقصود منها في المقام هو أصالة البراءة كما قيل، أو إستصحاب عدم الوجوب أو إستصحاب الجواز كما عن بعضهم. بتقريب أن المعتكف إذا شك في أثناء الإعتكاف أنه هل يجب عليه إتمامه أو لا، فتجري البراءة لنفي وجوب الإتمام، أو يجري إستصحاب عدم الوجوب الذي كان ثابتاً سابقاً، أو إستصحاب الجواز الذي كان ثابتاً سابقاً أيضاً. وهذه الأصول تجري بعد الوضوح أن تبدّل وإنقلاب النفل إلى الواجب يكون على خلاف القاعدة، فعلى هذه القاعدة يحصل الشك في تبدل عبادة مندوبة إلى عبادة واجبة فتجري الأصول المذكورة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo