< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة٢ العدول في الإعتكاف/ مسألة٣ التشريك في النيابة

كان الكلام في مسألة العدول من إعتكاف إلى إعتكاف آخر، وذكر السيد الماتن (قده) أنه لا يجوز العدول ومثل له بأمثلة من ضمنها العدول من النيابة عن ميت إلى النيابة عن حي، أو إلى الإتيان به عن نفسه، وهذا كما قلنا يستبطن الفراغ عن مشروعية النيابة في باب الاعتكاف.

وقد تقدم بحث مسألة النيابة في باب الصوم، والقاعدة -بالإتفاق- تقتضي عدم مشروعيتها وأن من اشتغلت ذمته بواجب لا تفرغ ذمته بفعل غيره، بل فراغ ذمته لا يكون إلا بفعل نفسه.

ولا يخفى أننا لا نتكلم عن أمثال الدين التي قد يقال بفراغ ذمة شخص بفعل شخص آخر، بل نتكلم عن العبادات التي لا تقبل النيابة بحسب القاعدة الأولية، سواء كانت واجبة أو مستحبة. ولا نتكلم عن إهداء الثواب -وهو أن يأتي الإنسان بعمل له ثم يهدي ثوابه إلى شخص آخر- الذي لا إشكال فيه وقد دلت عليه الأدلة، وإنما الكلام في النيابة بحيث يكون فعل النائب كأنه صدر من المنوب عنه وهو (المنوب عنه) لم يفعل أي شيء.

والحاصل أن مقتضى القاعدة هو عدم مشروعية النيابة، ولا يصار إليها إلا بدليل، وقد قامت الأدلة على مشروعية النيابة في بعض الواجبات العبادية بلا إشكال كالصلاة والحج والطواف والزيارة وأمور أخرى، فنخرج بها عن مقتضى القاعدة، لكنه لم يدل دليل خاص على مشروعيتها في باب الإعتكاف، فيقع الكلام عن أنه هل يمكن التعدي من موارد هذه الأدلة -وهي الصلاة والحج والصوم وغيرها- إلى الإعتكاف أو لا يمكن؟

يظهر من عبارة الماتن أنه يبني على التعدي، وهو الظاهر من الجماعة أيضاً، حيث أنهم ألغوا خصوصية هذه الموارد وتعدوا من الموارد المنصوصة في الأدلة إلى ما يكون من قبيلها وهي العبادات بشكل عام. ولعل المرتكزات العرفية أيضاً تساعد على ذلك، اذ المرتكزات العرفية لا ترى خصوصية للصلاة -مثلاً- أو الصوم و …، وإنما ترى أن الخصوصية إنما هي للجامع بين هذه الأمور، وهو العمل العبادي من أعمال الخير والبر، فلا فرق بين الإعتكاف والصلاة والزيارة؛ وكثرة الموارد المشروعة فيها النيابة تشجع على التعدي. ويساعد عليه أيضاً بناء المتشرعة، حيث إنهم لا يفرقون بين الإعتكاف وبين سائر الموارد.

ومن الممكن أن يقول قائل إن ما تقدم ليس واضحاً، بل المتعين الرجوع إلى القاعدة بعد عدم وجود دليل خاص في باب الإعتكاف، فيلتزم بعدم مشروعية النيابة فيه.

(مسألة ٣): الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في إعتكاف واحد، نعم يجوز ذلك بعنوان إهداء الثواب، فيصح إهداؤه إلى متعددين أحياء أو أمواتا أو مختلفين.[1]

هذه المسألة فرض فيها الفراغ عن إمكان نيابة واحد عن واحد في إعتكاف واحد، وإنما فيها طرح مسألة نيابة شخص واحد عن متعددين في إعتكاف واحد، والسيد الماتن (قده) ذهب إلى عدم جواز النيابة المذكورة. وعدم الجواز في المقام مبني على القاعدة التي ذكرناها في المسألة السابقة من أنّ النيابة على خلاف القاعدة، فلا يلتزم بمشروعيتها إلا بدليل، وإذا دل دليل على خلاف مقتضى القاعدة فيقتصر فيه على مورد الدليل والقدر المتيقن منه، وفي ما عداه نرجع إلى مقتضى القاعدة، وحينئذ يقال أن الدليل الذي خرجنا به عن مقتضى القاعدة مورده هو نيابة واحد عن واحد فنقتصر على هذا، وأما نيابة واحد عن إثنين فلا دليل عليها فنرجع إلى مقتضى القاعدة فيها وهو عدم الجواز. وهذا هو دليل عدم الجواز الذي حكم به السيد الماتن (قده)، وهذا واضح جداً فيما إذا كان الإعتكاف واجباً، أي يوجد شخصان إشتغلت ذمة كل واحد منهما بإعتكاف واجب، وشخص يريد أن يعتكف عنهما ويفرغ ذمتهما بإعتكاف واحد، ومن الواضح عدم إمكان الإلتزام بفراغ ذمة كل منهما بصدور العمل من شخص آخر ولو بعنوان النيابة عنهما، لأنّ فراغ ذمتهما لا يكون إلا بأن يصدر من كل منهما هذا العمل أو من نائبيهما بأن يكون هناك إعتكافان كل إعتكاف يفرغ ذمة واحد منهما، وهذا البطلان يكون على مقتضى القاعدة.

لكن الكلام يقع فيما إذا كان الإعتكاف مندوباً بأن يعتكف شخص واحد عن والديه، ولا يوجد هنا تفريغ ذمة في الإعتكاف المندوب، ومقتضى القاعدة فيه أيضاً هو عدم مشروعيتها، لأنّ الدليل الذي خرجنا به عن مورد القاعدة في الإعتكاف مورده والمتيقن منه هو نيابة واحد عن واحد، وما عداه -وهو نيابة شخص عن أكثر من شخص واحد- نرجع فيه إلى مقتضى القاعدة، من دون فرق بين أن يكون الفعل الذي تتحقق فيه النيابة واجباً أو مندوباً.

لكن في خصوص المندوب قد يدعى وجود أدلة تدل على جواز نيابة واحد عن أكثر من واحد في غير مورد الإعتكاف -كالحج والطواف والصلاة المندوب منها-، فتدل هذه الأدلة على جواز ما يسمونه بالتشريك، بأن ينوي العمل عن أكثر من واحد، فيدعى أن الإعتكاف من هذا القبيل؛ فلابد من ملاحظة هذه الأدلة وأنها هل دالة على جواز التشريك أساساً في مواردها أو لا؟ وإذا كانت دالة عليه فهل يمكن إسراء هذا الحكم إلى الإعتكاف المستحب أو لا؟

وهذه الأدلة موجودة في عدة أبواب من كتاب وسائل الشيعة، والسيد الخوئي (قده) في التقريرات ذكر رواية واحدة وركّز كلامه عليها، وهي صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: سنّة سنّها، يُعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من يعمل بها، من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، والصدقة الجارية تجري من بعده، والولد الطيّب يدعو لوالديه بعد موتهما، ويحج ويتصدق ويعتق عنهما، ويصلي ويصوم عنهما، فقلت: أُشركهما في حجتي؟ قال: نعم.[2]

ويقال أن هذه الرواية ظاهرة في النيابة، ولا يمكن حملها على إهداء الثواب، لأن تعبير (يصلي ويصوم عنهما) يستظهر منه النيابة، إذ لو كان المقصود هو إهداء الثواب لقال (يهدي ثوابه لهما)، والظاهر أنها ناظرة إلى صورة التشريك، فحينئذ تكون الرواية دالة على جواز التشريك في الموارد المذكورة في الرواية.

ونظيرها هو الحديث الأول في الباب، وهو ما يرويه عمر بن يزيد أنه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) نصلي عن الميت؟ فقال: نعم، حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق، ثم يؤتى فيقال له: خُفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك، قال: فقلت: فأُشرك بين رجلين في ركعتين؟ قال: نعم.[3]

هذه الرواية لم يروِها السيد الخوئي (قده) مع أنه لا بأس بسندها، إذ يرويها الشيخ الصدوق بإسناده عن (عمر بن يزيد) وهو ثقة؛ وهي ظاهرة في جواز النيابة عن شخصين على نحو التشريك لا على نحو التفريق، وحسب تعبير السيد الخوئي (قده) تكون ظاهرة في ذلك على نحو العموم المجموعي لا على نحو العموم الإستغراقي.

والحديث الخامس في الباب وإن كان سنده غير تام، إذ قال (عليه السلام) فيه: ما يمنع أحدكم أن يبر والديه حيين وميتين؟! يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده الله ببره خيراً كثيراً.[4]

وهو ظاهر في النيابة لا إهداء الثواب، كما أنه ظاهر في التشريك.وتوجد روايات أخرى في باب الإحتضار يمكن التمسك بها.

 

وأيضاً هناك روايات تدل على المدعى موجودة في باب قضاء الصلوات:-

منها: رواية محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيرا كثيرا.[5]

ويبدو لي أن سندها غير تام والجزم به يحتاج إلى مراجعة.

 

منها: -وهي ضعيفة سنداً- ما يرويه السيد إبن طاووس في كتابه غياث سلطان الورى عن علي بن أبي حمزة البطائني في أصله -وهو من رجال الصادق والكاظم (عليهما السلام)- قال: سألته عن الرجل يحج ويعتمر ويصلي ويصوم ويتصدق عن والديه وذوي قرابته قال: لا بأس به يؤجر فيما يصنع وله أجر آخر بصلة قرابته، قلت: إن كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟ قال: يخفف عنه بعض ما هو فيه.[6]

وغيرهما من الروايات هنا في هذا الباب وفي أبواب الحج.

 

ناقش السيد الخوئي (قده) وغيره في هذه الروايات بأنها ليست ظاهرة في إرادة كل منهما على سبيل الإنضمام، بل هي ظاهرة في ذلك على سبيل الإنفراد، فقوله (عليه السلام) (يصلي عنهما) -مثلاً- ظاهر في أنه يأتي بصلاتين لهما على نحو الإفتراق، لا أنه يأتي بصلاة واحدة لهما على نحو التشريك. فلا يصح الإستدلال بها على مشروعية نيابة واحد عن أكثر من واحد حتى في المستحبات.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo