< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة٢ العدول في الإعتكاف

 

كان الكلام في العدول من إعتكاف إلى إعتكاف آخر بالنية، وقد ذكر السيد الماتن (قده) أنه غير جائز. نقول أن العدول من عمل إلى عمل آخر تارة يمكن تصور تحققه بالنية والقصد وأخرى لا يمكن ذلك؛ بعبارة أخرى الإنقلاب من عمل إلى آخر في الأمور التكوينية الخارجية التي هي غير متقومة بالقصد لا يمكن تصوره، كإنقلاب القيام بالقصد والعدول إلى الجلوس، وإنما القيام يتحول إلى الجلوس بالفعل الخارجي. نعم، الإنقلاب بالنية والقصد قد يدعى تحققه في الأمور المتقومة بالقصد كالعبادات الشرعية، فيعدل من صلاة إلى أخرى بالنية، فيرفع المكلف يده من النية السابقة وينوي شيئاً جديداً فيحوّل صلاته من صلاة واجبة إلى صلاة مستحبة أو يحوّل صلاته المأتي بها عن زيد إلى صلاة عن نفسه أو بالعكس وهكذا، وهو أمر ممكن، فيقع الكلام عن صحة مثل هذا العدول.

والمقصود من صحته هو أن تقع العبادة للمعدول إليه وإن وقع جزء منها بل تمامها للمعدول عنه، كما إذا أراد أن يعدل في أثناء إعتكاف عن غيره إلى إعتكاف عن نفسه، فيتسائل عن أنه هل يقع هذا الإعتكاف عن نفسه أو لا؟ وقد ذكرنا سابقاً أن الكلام ليس في إستئناف إعتكاف جديد عن نفسه، اذ لا إشكال في صحة مثل هذا العدول.

فنقول أن مقتضى الأصل والقاعدة هو عدم الجواز كما في المتن، اذ لا دليل على صحة مثل هذا الإعتكاف الذي وقع جزء منه أو تمامه بنية أخرى، والمفروض أن الإعتكاف عبادة مشروطة بالنية. وبعبارة أخرى إفتراض وقوع الإعتكاف للمعدول إليه في الصورة المتقدمة مرة يكون بإنقلاب الجزء المعدول عنه عمّا وقع عليه فيكون المجموع إعتكافاً عن نفسه في المثال السابق، وأخرى لا يكون كذلك فيكتفى بالإعتكاف المؤلف من قسمين -قسم وقع عن الغير وقسم عن نفسه- على أن يكون المجموع إعتكافاً عن نفسه من دون أن ينقلب ما مضى عمّا وقع عليه بل يبقى على ما هو عليه، وكل من الإحتمالين لا يمكن الإلتزام بهما، أمّا الأول فيلزم منه إنقلاب الشيء عمّا وقع عليه، وأمّا الثاني فيلزم منه أن يكون الإعتكاف الواحد مركباً من أمرين مختلفين، فيكون عندنا إعتكاف نصفه لغيره ونصفه الآخر لنفسه، وهذان الأمران وإن لم تكن فيهما إستحالة عقلية في الأمور الاعتبارية إلا أنه بحاجة إلى دليل، فإذا لم يكن هناك دليل فمقتضى الأصل عدم الجواز.

هذا بالنسبة إلى الإعتكاف الثاني، فتبين أن المعدول إليه لا يقع صحيحاً، ولكن يمكن أن يطرح هذا السؤال وهو أن المعدول عنه هل يكون صحيحاً؟ فإذا إعتكف عن غيره ثم في أثنائه عدل إلى إعتكاف عن نفسه، فقلنا أن الإعتكاف عن النفس (المعدول إليه) لا يقع، فهل يقع عن الغير (المعدول عنه) أو لا؟

قد يقال أن هذا مبني على مسألة توقف بقاء الإعتكاف على نية الإستمرار أو عدم بقاؤه على ذلك؛ مثلاً الإحرام لا يحتاج في إستمراره إلى نية في كل آن غير النية الإبتدائية -بشرط أن لا يفسخ الإحرام ولا يبطله-، أمّا الصوم فيحتاج في إستمراره إلى نية في كل آن ولو إرتكازاً ولا يكفي في إستمراره النية الإبتدائية. فإن كان الإعتكاف كالصيام فيقع الإعتكاف الأول (المعدول عنه) باطلاً، لأنّ المفروض أنه رفع يده عن الإعتكاف الأول ولم ينوِ الإستمرار به لعدوله إلى الإعتكاف الثاني، أمّا إذا قلنا أن الإعتكاف من قبيل الإحرام فيصح الإعتكاف الأول، لأنه نوى الإعتكاف ولم يفسخه إذ العدول ليس فسخاً؛ فكأنّ القول بالبطلان أو بعدمه يبتنيان على هذا الأمر.

قيل أن الصحيح بينهما هو الثاني بمعنى أنّ الإعتكاف كالإحرام، فتكفي فيه النية الإبتدائية ما لم يفسخ، ويحاول القائل إستظهار هذا المعنى من الروايات الواردة في المقام.

لكن إستفادة هذا المعنى من الروايات غير واضحة، إذ نحتمل إحتمالاً معتداً به أن الإعتكاف كالصيام، لأن الإعتكاف عبادة ممتدة طيلة فترة الإعتكاف، ففي كل آن من آنات هذه الفترة هو معتكف وفي كل آن لابد أن يكون الإعتكاف عن نية، لإعتبار النية في العبادة، وتكون هذه النية هي نفس النية المعتبرة في العبادة التي معناها قصد الفعل وقصد التقرب، فلو فرضنا أنه في آن من الآنات وقع الفعل مجرداً عن تلك النية فيرتفع الفعل، وفي فرضنا الإعتكاف الأول الذي وقع عن الغير يرتفع عند العدول في النية إلى نية الإعتكاف عن نفسه، فهو نوى في بعض الآنات الإعتكاف عن الغير لا في جميعها، فالإعتكاف بمجموعه كما لا يقع عن نفسه كذلك لا يقع عن غيره، فنفس السبب الذي قلنا لأجله أن الإعتكاف لا يقع عن نفسه (المعدول إليه) نقوله في أن الإعتكاف لا يقع عن غيره (المعدول عنه)، فهذا هو مقتضى القاعدة في المقام.

هذا مضافاً إلى أن مسألة كون العدول ليس بفسخ أيضاً غير واضحة، لأن العدول معناه رفع اليد عن المعدول عنه وإلغاؤه والمصير إلى شيءٍ آخر، وهذا هو نفس معنى الفسخ ولا يراد منه شيئاً أكثر من هذا، فالظاهر أن العدول فسخ.

ثم يظهر من عبارة المتن مشروعية النيابة في الإعتكاف، إذ قال السيد الماتن (قده) في المسألة الثانية (ولا عن نيابة ميت إلى آخر أو إلى حي، أو عن نيابة غيره إلى نفسه أو العكس)، ولا يبعد أنه كذلك وتكون النيابة في الإعتكاف كسائر العبادات الأخرى مشروعة وإن كان لم يرد نص خاص -والله العالم- في النيابة في الإعتكاف، كما ورد ذلك في الحج والصلاة والزيارة والمستحبات وغيرها، لكن يبدو أن بناء العلماء يكون على مشروعيتها في الإعتكاف. والمسألة الآتية تكون متفرعة عليها كما ستأتي إن شاء الله سبحانه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo