< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه/ مسألة١ إرتداد المعتكف/ مسألة٢ العدول في الإعتكاف

كان الكلام في الإغتسال للجنابة والإستحاضة ومس الميت، وقلنا بأن الإغتسال للجنابة يختلف عن الإغتسال للإستحاضة والإغتسال لمس الميت بلحاظ أمرين

الأول أن المجنب يحرم عليه البقاء في المسجد،

والثاني أن غسل المجنب في المسجد قد يستلزم تنجيس المسجد، ومن هنا يكون صدق الضرورة على غسل الجنابة أوضح من صدقها على غسل الإستحاضة ومس الميت.

أما إذا إفترضنا أن غسل المجنب لا يلزم منه تنجيس المسجد وكان الوقت الذي يستغرقه الغسل في المسجد أقل من الوقت الذي يستغرقه الخروج من المسجد أو كان مساوياً له فحينئذ يجوز له الإغتسال داخل المسجد بل يجب عليه ذلك، لعدم وجود حاجة ضرورية تدعوه للخروج من المسجد، لا من ناحية حرمة البقاء في المسجد ولا من ناحية تنجيسه، ولإستلزام الخروج مكثاً أكثر من الإغتسال داخل المسجد في حالة الجنابة وهو لا يجوز.

 

مسألتان مرتبطتان بالمقام

الأولى: وهي الخروج لمدة طويلة في الموارد التي يجوز فيها الخروج، فنتسائل عن أنه هل يجوز الخروج فيها مطلقاً ولو لمدة طويلة جداً بحيث تستدعي أن يخرج المعتكف عن كونه معتكفاً كما إذا إقتضت الحاجة الضرورية بقاءه خارج المسجد ثلاثة أيام أو يومين، أو لا يجوز ذلك بل المقدار المسموح له هو مدة قصيرة فقط؟

في مقام الجواب عن هذا السؤال ذكر الفقهاء بأنه لابد من الإقتصار على الخروج القليل الذي لا يوجب زوال عنوان الإعتكاف ولا يخرج المعتكف به عن كونه معتكفاً، أما إذا كان طويلاً بحيث يوجب خروج المعتكف عن كونه معتكفاً فإنه لا إشكال في بطلان إعتكافه، لأنه لا يوجد إعتكاف حتى يحكم بصحته، إذ الحكم بالصحة يحتاج الى تحقق موضوعه، وهذا يساوق البطلان، فما ذكروه في محله ولا إشكال فيه.

الثانية: وهي حكم الخروج غير الإختياري وهو الخروج الذي لا يستند إلى إختيار المكلف، كما لو خرج المعتكف أثناء نومه من المسجد، أو وضع في سرير ثم حمل وأُخرج من المسجد، فهل يكون مبطلاً للإعتكاف أو لا؟

ظاهر كلمات الفقهاء أنه لا يوجب بطلان الإعتكاف، والمبطل للإعتكاف -في الموارد التي يلتزم فيها بالبطلان- هو الخروج الإختياري. والسر فيه هو إنصراف الأدلة عن مثل هذا الخروج خصوصاً إذا قلنا بأن هذه الأدلة يستفاد منها الحكم التكليفي كما يستفاد منها الحكم الوضعي -لأنه من الواضح أن الحكم بالحرمة التكليفية لا يشمل المكلف غير المختار وإن كان من الممكن شمول خطاب البطلان له-، فإنه يؤكد عدم شمول هذا الدليل بكلا خطابيه لغير المختار، ولعل مما يؤيد إنصراف الأدلة وإختصاص البطلان بخصوص الخروج الإختياري هو إستثناء الخروج للحاجة في كثير من الروايات، لأن هذا الإستثناء ناظر إلى الخروج الإختياري كما هو واضح، فيكون قرينة على أن الخروج في المستثنى منه -سواء كان المستفاد في جانب المستثنى منه الحكم التكليفي أو الوضعي او كلاً منهما- هو الخروج الإختياري.

 

ثم قال السيد الماتن (قده): (والمدار على صدق اللبث، فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه من يده أو رأسه أو نحوهما)[1]

فالمدار يكون على صدق اللبث في المسجد، وفي كلمات بعض الفقهاء -كما في المعتبر- عُلل الجواز بأن المنافي للإعتكاف هو خروجه لا خروج بعضه، فيكون خروج بعضه جائزاً.

والظاهر أن الأولى في التعليل هو ما ذكره السيد الماتن (قده) من أن المناط على صدق اللبث وعدمه، فإذا أخرج بعض أجزاء بدنه وصدق اللبث يحكم بالصحة وإلا فيحكم بالبطلان، فنحن نفترض مع إخراج بعض أجزاء بدنه قد يصدق اللبث وقد لا يصدق، لإختلاف البعض الخارج من حيث كونه معظم البدن أو أجزاء صغيرة من البدن -كالأصابع-، وكذلك من حيث طول المدة وقصرها، فلو أخرج معظم أجزاء بدنه لمدة طويلة فلا يصدق اللبث في المسجد، ومن هنا يظهر أن التعليل الذي ذكره المحقق في المعتبر غير وجيه، إذ لازم كلامه هو أن خروج بعض المعتكف في جميع الحالات لا ينافي الإعتكاف، بينما الصحيح هو أن خروج بعض المعتكف في بعض الحالات يكون منافياً للإعتكاف.

 

(مسألة ١): لو إرتد المعتكف في أثناء إعتكافه بطل وإن تاب بعد ذلك إذا كان ذلك في أثناء النهار بل مطلقاً على الأحوط.

هذا مع فرض أن تقبل منه التوبة كما في بعض أقسام الإرتداد، أما أصل بطلان الإعتكاف بالإرتداد فيستدل له بالأدلة التي تقدمت في شرائط صحة الصوم، إذ هذه الأدلة تجري في كل عبادة.

منها: أن الإعتكاف عبادة، والعبادة لا تصح من الكافر، لأن الإسلام شرط في صحة العبادة.

منها: أن قصد القربة لا يتأتى من الكافر، وقصد القربة شرط معتبر في صحة العبادة.

منها: أن الصوم شرط في الإعتكاف، والصوم مشروط بالإسلام وعدم الكفر.

وهذه الأدلة قد تقدم الكلام عنها مفصلاً في شرائط صحة الصوم، وتأملنا في كلها.

بل بعضهم قال أنّ الإيمان شرط في صحة العبادة وليس الإسلام فقط، وقد تقدم الكلام عنه أيضاً.

أما ما يذكر كدليل في خصوص المقام هو أن لبث الكافر في المسجد أمر محرم ومبغوضٌ للشارع، والظاهر أن هذه قضية مسلمة، فلا يمكن التقرب إلى المولى بما يكون مبغوضاً له لكي يقع عبادة، ومع قطع النظر عن مسألة إمكان التقرب بالأمر المبغوض نقول أن نفس الحكم على الإعتكاف بأنه صحيح يوجب أنه إما واجب أو مستحب، وعليه كيف يمكن أن يقع هذا الأمر المبغوض مصداقاً للواجب أو المستحب، وهذا يكفي لإثبات عدم صحة وبطلان الإعتكاف بالإرتداد.

وبهذا الدليل لا يفرق بين كون الإرتداد واقعاً في الليل أو في النهار، لما تقدم سابقاً من أنّ الليلتين المتوسطتين داخلتان في الإعتكاف، كما عليه الماتن. فالإحتياط المذكور في المتن لبطلان الإعتكاف بالإرتداد في الليل ليس واضحاً، بل ينبغي له أن يقول على الأقوى بدل الإحتياط كما فعل ذلك المحشين. بعضهم قال أن السيد الماتن (قده) إحتاط في ذلك حتى لا يخالف الشيخ الطوسي، إذ ذهب الشيخ إلى عدم بطلان الإعتكاف بالإرتداد في الليل، لكن هذا لا يوجب الحكم بالإحتياط لوضوح مدرك الشيخ في حكمه، لأن الشيخ بناء على رأيه في عدم دخول الليلتين المتوسطتين في الإعتكاف ذهب إلى عدم بطلان الإعتكاف بالإرتداد في الليل.

 

(مسألة ٢): لا يجوز العدول بالنية من إعتكاف إلى غيره وإن إتحدا في الوجوب والندب[2] ، ولا عن نيابة ميت إلى آخر، أو إلى حي، أو عن نيابة غيره إلى نفسه أو العكس.[3]

في هذه المسألة لابد من تنقيح الأصل وأن القاعدة ماذا تقتضي في المقام، قالوا أن مقتضى الأصل هو عدم جواز العدول، والإلتزام بجوازه يحتاج إلى دليل كما ورد ذلك في بعض العبادات، لكن حيث لا دليل على جواز العدول في المقام فنحكم -طبقاً للأصل- بعدم جوازه.

والظاهر أن موضوع المسألة ليس هو العدول من إعتكاف إلى الشروع بإعتكاف جديد، فإن هذا العدول جائز، بل الموضوع هو ما إذا عدل إلى إعتكاف آخر مع إحتساب ما مضى من الإعتكاف المعدول عنه إلى الإعتكاف المعدول إليه.


[2] فضلاً عمّا إذا إتحدا في ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo