< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

الكلام يقع في الموارد المنصوصة التي يجوز الخروج من المسجد فيها وهي عبارة عن أربعة موارد، وتحديداً نتكلم عن أنه هل هي مصاديق لعنوان (الحاجة التي لابد منها) الوارد في الروايات، بالأقسام المتقدمة للابدية -العقلية والشرعية والعرفية-، أو أنها عناوين مستقلة في قبال الحاجة التي لابد منها، فتكون مستثناة من حرمة الخروج وإن لم يصدق عليها عنوان الحاجة الضرورية؟

وهذا البحث لا تظهر ثمرته في الموارد الأخرى غير هذه الموارد المنصوصة مما يصدق عليه عنوان الحاجة التي لابد منها، بمعنى أنها (الموارد غير المنصوصة) تكون مستثناة على كلا التقديرين، وانما تظهر الثمرة في نفس هذه الموارد المنصوصة اذا لم يصدق عليها عنوان الحاجة التي لابد منها، واذا لاحظنا الخروج لتشييع الجنازة فانه لا يكون دائماً ضرورة عرفية، بل يختلف باختلاف العلاقة بين المعتكف وبين الميت، ففي بعض الأحيان يكون الخروج ضرورة عرفية بحيث يقع في حرج اذا لم يخرج للتشييع، وقد لا يكون كذلك، ونفس الكلام يقال في صلاة الجمعة، فانها -اذا التزمنا بوجوبها العيني واقيمت بشرائطها- قد تكون ضرورة لكن ليس الأمر كذلك دائماً، وهكذا الغائط و عيادة المريض، فانه على الإحتمال الثاني تكون هذه الموارد مستثناة وعلى الإحتمال الاول لا تكون مستثناة، وهذه ثمرة عملية مهمة.

والصحيح هو الأول، أي أنّ هذه الموارد مستثناة بإعتبارها مصاديق للحاجة التي لابد منها. أما بالنسبة للجنازة وعيادة المريض فكونهما من مصاديقها واضح، لأن صحيحة الحلبي المتقدمة جمعت بين الأمرين، فيفهم منها أن هذه الأمور مصاديق للعنوان الذي ذكر في صدر الرواية، فتكون هذه مصاديقَ للابدية العرفية.

بل يمكن أن يقال أن هذا هو الصحيح بالنسبة للموردين الآخرين أيضاً، وهما الخروج للغائط وصلاة الجمعة، غاية الأمر أن الحاجة هنا حاجة شرعية، والقرينة على ذلك هي أنا قد إستظهرنا من صحيحة الحلبي أنّ ذكر الجنازة كان من باب المصداق، وفي صحيحة عبد الله بن سنان جمع بين الخروج للجنازة وصلاة الجمعة والغائط، فهذه تجعل قرينة على أن ذكرهما (الجمعة والغائط) يكون من باب المصداق.

ويضاف إلى ذلك أن الجمع العرفي بين الأدلة الدالة على عدم جواز الخروج إلا لحاجة، وبين الأدلة الدالة على إستثناء هاتين الحالتين كصحيحة عبد الله بن سنان، هو أن هذه مصاديق لتلك، والعرف يقبله، فعندما يذكر عنوان عام وهو عدم جواز الخروج إلا لحاجة لابد منها، وتأتي روايات تذكر بعض الأمور كالخروج للجنازة أو الجمعة أو الغائط، فيفهم منها أن هذه الأمور مصداق للعنوان، وليست عناوينَ مستقلة في قباله.

والإحتمال الآخر هو أن يبقى العنوانان على إستقلالهما في الإستثناء، فيصح إستثناء هذه الأمور المنصوصة سواءً أكان هناك لابدية في موردها أم لم تكن.

والأقرب عرفاً في الجمع هو حمل هذه الموارد على كونها مصاديقَ للحاجة التي لابد منها، خصوصاً بعد أن جمعت صحيحة الحلبي بين الإستثنائين، وإشتراك ما ذكر في صحيحة الحلبي وما ذكر في صحيحة عبد الله بن سنان في الجنازة، وهذا يؤيد بأن هذا هو الجمع العرفي الأوضح، وبناءً عليه فهذه الموارد الأربعة المنصوصة لا تستثنى من حرمة الخروج وبطلان الإعتكاف إلا إذا صدق عليها عنوان الحاجة التي لابد منها عادةً أو شرعاً أو عرفاً، فتكون حالها حال الموارد غير المنصوصة التي إنما تستثنى إذا إنطبق عليها ذلك العنوان كالغسل، فإذا لم يصدق عليها العنوان فلا تستثنى، والظاهر أن تشييع الجنازة وعيادة المريض يدخلان تحت عنوان الضرورة العرفية.

فيظهر ممّا تقدّم عدم تمامية ما ورد في تقريرات بحث السيد الخوئي (قده) من جواز الخروج في الموارد المنصوصة وإن لم تكن مصاديقَ للحاجة التي لابدّ منها[1] ، فعلى رأيه يجوز الخروج للغائط أو عيادة مريض أو تشييع جنازة وإن لم تبلغ هذه الموارد حد الضرورة، لأن كلامه مبني على الإحتمال الثاني المتقدم الذي إستبعدناه.

 

ثم قال السيد الماتن (قده): (أو للإغتسال من الجنابة أو الإستحاضة ونحو ذلك)[2]

 

فلا يبطل الإعتكاف بالخروج للإغتسال من الجنابة أو الإستحاضة أو نحو ذلك كغسل مس الميّت، هذا ما ذكر في المتن. والصحيح في المقام هو الرجوع إلى الضابطة السابقة، إذ لا خصوصية في الموارد المذكورة في المتن، لأنها غير منصوصة، فإذا صدق عليها (هذه الموارد) عنوان الحاجة التي لابدّ منها فتستثنى وإلّا فلا.

ثم إن الإغتسال للجنابة يختلف عن الإغتسال للإستحاضة أو مس الميّت، وذلك بإعتبار أن الشارع منع المجنب من البقاء في المسجد، وهذا بخلاف المستحاضة ومن وجب عليه غسل مس الميّت؛ وهذه الخصوصية في المجنب توجب أن يكون إنطباق عنوان الضرورة عليه واضحاً، لأنه يحرم عليه البقاء في المسجد، وهذا يعني يجب عليه الخروج من المسجد شرعاً. وإذا إفترضنا أن غسله يوجب تنجيس المسجد فصدق عنوان الضرورة عليه يكون أوضح. والحال أن هاتين الخصوصيتين (حرمة البقاء في المسجد، وتنجيسه) غير موجودتين في غسل مس الميّت كما هو واضح، فلا يصدق عليه عنوان الضرورة، فلا يكون مستثنياً من حرمة الخروج من المسجد، فيجب عليه الإغتسال داخله.


[1] موسوعة السيد الخوئي ج٢٢، ص٣٨٥.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo