< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

قال السيد الماتن (قده): (وكذا لو خرج لضرورة عقلاً أو شرعاً أو عادة، كقضاء الحاجة من بول أو غائط)[1]

لعله كان الأنسب أن يعبر بهذا التعبير (وكذا لو خرج لحاجة لابد منها) كما هو موجود في الروايات بدل تعبيره (وكذا لو خرج لضرورة)، كما فعل ذلك بعض الفقهاء، فإن التعبير الوارد في كلماتهم هو (لو خرج لحاجة لابد منها).

وقد تقدم منا ان موضوع الأدلة التي ترخص في الخروج ليس مطلق الضرورة كما انه ليس مطلق الحاجة، وانما الموضوع هو (الحاجة التي لابد منها)، وهذا الموضوع للأدلة المرخصة هو مقتضى الجمع بين الروايات، فان بعض الروايات كصحيحة عبدالله بن سنان موضوعها الحاجة مطلقاً، وبعضها كصحيحة داوود بن سرحان موضوعها الحاجة التي لابد منها، حيث ورد فيها (لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها)، فتكون مقيدة للروايات المطلقة، لظهورها في عدم جواز الخروج لمطلق الحاجة، وانما يجوز الخروج للحاجة التي لابد منها، فتكون النتيجة انه يجوز الخروج للحاجة التي لابد منها.

ثم هذه اللابدية ظاهرها الضرورة، فالحاجة التي لابد منها هي الحاجة الواصلة إلى حد الضرورة، فلابد من الاقتصار على هذا المقدار، ففي صورة عدم بلوغ الحاجة مقدار الضرورة نلتزم بانها لا دليل على جواز الخروج وعلى عدم بطلان الإعتكاف به، فجواز الخروج التكليفي والوضعي مختص بما اذا كانت الحاجة بالغة إلى حد الضرورة، وهذا ينعكس على بعض الفروع الآتية، فبالنسبة إلى الخروج لغسل الجنابة نقول انه في بعض الأحيان يصل الى حد الضرورة، وذلك فيما اذا فرضنا انه يلزم من الإغتسال داخل المسجد تلويث المسجد وتنجيسه، أو يلزم منه أن يكون البقاء للإغتسال داخل المسجد أزيد من الخروج والإغتسال خارج المسجد، لأن بقاء المجنب في المسجد حرام، فيلتزم فيه بجواز الخروج، وفي بعض الأحيان لا يبلغ حد الضرورة، كما إذا إفترضنا أن الإغتسال داخل المسجد لا يكون موجباً لتلويث المسجد، أو لا يكون البقاء داخل المسجد لأجل الإغتسال أزيد مما لو خرج للإغتسال، فيلتزم بعدم جواز الخروج رغم كونه مجنباً.

هذا، وقد طرح بعض الأعلام احتمالاً آخر وهو أن يكون المقصود باللابدية في الحاجة هي اللابدية العرفية لا أن يكون بمعنى الضرورة، وهي أهمية الحاجة بحيث لا ينبغي التهاون فيها عرفاً مع لزوم الخروج لها، فعندما تبلغ الحاجة إلى هذا الحد وإن لم تبلغ حد الضرورة فيجوز الخروج من المسجد.

ويستدل لهذا التفسير الثاني (اللابدية العرفية) بعدة أدلة:

الدليل الأول: أن هذا التفسير أنسب للجمع بين الأدلة التي تتضمن إستثناء الحاجة التي لابد منها، وبين الأدلة التي تتضمن إستثناء بعض الأمور التي لا تصل إلى حد الضرورة عادة كجواز الخروج لعيادة مريض أو تشييع جنازة أو صلاة الجمعة وغيرها من الأمور التي لا تبلغ حد الضرورة، وبهذا الجمع تكون الأمور المستثناة من باب ذكر المصاديق للابدية العرفية، أما إذا لم نلتزم بذلك وقلنا أن المراد باللابدية هو الضرورة فيصبح عندنا مفاد مختلف لكل واحدة من الطائفتين ونتحير في كيفية الجمع بينهما.

الدليل الثاني: أنه في بعض الروايات جمع بين الموردين، وهي صحيحة الحلبي

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، ولا يخرج في شيء إلا لجنازة، أو يعود مريضاً، ولا يجلس حتى يرجع، قال: وإعتكاف المرأة مثل ذلك[2]

فإنها قد جمعت بين الإستثنائين وهما جواز الخروج للحاجة التي لابد منها، وجوازه لتشييع جنازة أو عيادة مريض، فالمناسب هو حمل ذيل الرواية على صدرها بأن نحمل عيادة المريض وتشييع الجنازة على أنه مصداق للابدية المذكورة في الصدر، وهي (الموارد المذكورة فيها) إنما تكون مصداقاً لتلك إذا حملنا اللابدية على اللابدية العرفية، أما إذا قلنا أن المراد منها هو الضرورة فلا تكون مصداقاً لها.

ثم ذكر أنّ الظاهر من غير واحد من الأصحاب أن المقصود من اللابدية في المقام هو اللابدية العرفية، حيث يذكرون إستثناءات غير مذكورة في النصوص وهي لا تصل إلى حد الضرورة ويكون بعضها مستحباً كتغسيل الجنازة ودفنها، وهذا يعني أنهم فهموا منها اللابدية العرفية.

 

الذي نقوله في المقام هو أن هذه اللابدية العرفية هي عبارة أخرى عن الضرورة العرفية التي إلتفت إليها الفقهاء، إذ قالوا أن المراد من الضرورة ليس الضرورة العقلية فقط، وإنما الأعم منها ومن الضرورة الشرعية والضرورة العرفية، فهذه الضرورة العرفية في كلمات الفقهاء هي نفس اللابدية العرفية التي ذكرها بعض الأعلام. نعم هناك فرق، حيث يظهر من كلام صاحب التفسير الثاني أنه يريد أن يفسر اللابدية الموجودة في الدليل بما إدعاه، وكأنها تختص باللابدية العرفية وهي المستثنى الوحيد من الدليل، أما الأصحاب فيقولون أن اللابدية المذكورة في الدليل المراد بها هي ذات اللابدية، ولكن اللابدية تكون أعم من أن تكون عقلية -كما لو أصيب بمرض يتطلب خروجه- أو شرعية -كالخروج للحدث مطلقاً، فهو يضطر للخروج ولابد له من قضاء الحاجة خارج المسجد، لأن الشارع حرّم عليه تنجيس المسجد، فهي لابدية ناشئة من الحكم الشرعي- أو عرفية لا علاقة للشارع بها أصلاً -كما لو ورد شخص مهم جداً إلى البلد وتوجد ضرورة عرفية في الخروج لإستقباله-، فتكون اللابدية العرفية على رأي الأصحاب أحد المستثنيات، وتمسكوا لذلك بإطلاق الدليل الذي ورد فيه (إلا لحاجة لابد منها)، فلا موجب لتخصيص اللابدية بالعرفية فقط بعد شمولها للعقلية والشرعية.

وأما الأدلة التي ذكرها ففي الحقيقة هي ليست أدلة على ما ذكره في مقابل قول المعروف، ولا تنفي هذه الأدلة القول المعروف القائل بأن المقصود باللابدية هو الضرورة الأعم من العقلية والشرعية والعرفية، إذ يمكن أن يقال في دليله الأول أن المعروف -بعد أن حملوا اللابدية على معناها الأعم- يرون أن الطائفة الثانية تكون من مصاديق اللابدية العرفية، كما أنهم يرون أن الروايات التي دلت على جواز الخروج للضرورة الشرعية كالغائط تكون من مصاديق اللابدية الشرعية، وكذا الكلام في دليله الثاني وما إستظهره من كلمات بعض الأصحاب.

فمن هنا يظهر بأن المقصود بالإستثناء في هذه الروايات هو (الحاجة البالغة حد الضرورة) لا عنوان الضرورة فقط من دون أن تكون حاجة، فلذا قلنا بعدم جواز التمسك بهذه الروايات لجواز الخروج الإكراهي، لأنه لا يصدق عليه عنوان الحاجة وإن كان يصدق عليه عنوان الضرورة. والضرورة لا تختص بالضرورة العقلية، بل تشمل الضرورة الشرعية والعرفية أيضاً.

فلابد من أن نلحظ الروايات التي ذكرت موارد لجواز الخروج، وأن هذه الموارد هل تدخل تحت عنوان الحاجة التي لابد منها أو لا؟ وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo