< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

ملاحظة ترتبط بمسألة خروج الزوجة من بيتها من دون إذن الزوج

قلنا في الدرس السابق أن معتبرة السكوني التي أستدل بها لإثبات حرمة خروج الزوجة من بيتها من دون إذن الزوج ليست واضحة في ذلك، لأنها تدل على سقوط حق النفقة إذا خرجت كذلك لا على أنه محرم عليها، وعلى تقدير دلالتها على حرمة الخروج فيحتمل إحتمالاً معتداً به أنها ناظرة إلى صورة منافاته لحق الزوج بالإستمتاع، وذلك بقرينة سقوط حق النفقة بالخروج، لأنها تكون في مقابل التمكين وحق الإستمتاع كما دلت الأدلة على ذلك، فمن الصعب إستفادة الإطلاق منها.

هذا ما تقدم في الدرس السابق، لكن نقول أن ما يدل على حرمة الخروج ليس منحصراً بمعتبرة السكوني، بل هناك روايات أخرى يمكن أن يستدل بها على ذلك:-

الأولى: -وهي أهمها- صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه، ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا باذنه، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وان خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها،.....[1]

وهي ظاهرة في حرمة الخروج، ومقتضى إطلاقها هو حرمته حتى مع عدم منافاته لحق الزوج.

 

الثانية: رواية علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه، قال: سألته عن المرأة، ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال: لا؛ وسألته عن المرأة ألها أن تصوم بغير إذن زوجها؟ قال: لا بأس.[2]

وهي أيضاً مطلقة لصورة عدم المنافاة.

 

الثالثة: رواية عمرو بن جبير العزرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال: أكثر من ذلك، قالت: فخبرني عن شيء منه، قال: ليس لها أن تصوم إلا باذنه، يعني تطوعاً ولا تخرج من بيتها بغير اذنه .....[3]

وهي كالروايتين السابقتين تدل على حرمة الخروج ومطلقة.

 

الرابعة: رواية الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) - في حديث المناهي - قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها، فان خرجت لعنها كل ملك في السماء وكل شيء تمر عليه من الجن والإنس حتى ترجع إلى بيتها.....[4]

 

هذه هي الروايات التي يمكن التمسك بإطلاقها لإثبات حرمة خروج الزوجة من بيتها بغير إذن زوجها وإن لم يكن منافياً لحق الإستمتاع.

نعم، توجد روايتان قد يتمسك بهما لإثبات المطلوب، ولكن دلالتهما على ذلك ليست واضحة. أولاهما معتبرة السكوني المتقدمة وقد ناقشنا دلالتها، ثانيتهما هي معتبرة عبدالله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ان رجلاً من الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهداً ان لا تخرج من بيتها حتى يقدم، قال: وإنّ أباها قد مرض فبعثت المرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تستأذنه أن تعوده فقال: لا اجلسي في بيتك واطيعي زوجك قال: فثقل فأرسلت إليه ثانياً بذلك فقال: اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك قال: فمات أبوها فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني ان أصلي عليه فقال: لا، اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك قال: فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله قد غفر لك ولابيك بطاعتك لزوجك.[5]

هذه الرواية وإن كانت تامة سنداً بطريق الشيخ الصدوق لا بطريق الشيخ الكليني، لكن الإستدلال بها على إعتبار الإذن في خروجها صعب جداً، بإعتبار أن موردها نهي الزوج عن خروجها من البيت، حيث ورد فيها (فعهد إلى امرأته عهداً ان لا تخرج من بيتها حتى يقدم)، ففي هذه الصورة (نهي الزوج عن ذلك) أمرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجلوس في البيت وإطاعة زوجها، فإن سلمنا أن الرواية في مقام بيان حكم شرعي إلزامي وليس في مقام الأدب والمعاملة مع الزوج ولكن هذا لا يعني أن خروجها في غير هذه الصورة أيضاً يحتاج إلى إذن الزوج. فلا يمكن التعدي من موردها إلى محل كلامنا (خروجها مع عدم النهي)، إذ نحتمل هناك خصوصية في نهي الزوج لها.

ومن هنا يظهر أن العمدة في المقام هي صحيحة محمد بن مسلم والرويات الثلاثة المتقدمة التي بعدها، لأن فيها دلالة على التحريم بشكل واضح، وفيها إطلاق يمكن التمسك به لإثبات الحرمة حتى إذا لم يكن الخروج منافياً لحق الزوج في الإستمتاع، لكن المشكلة أن الروايات الثلاثة غير تامة سنداً فلا تصلح لإثبات الحكم الشرعي، وإنما تصلح أن تذكر كمؤيدات للحكم.

فرواية علي بن جعفر ضعيفة سنداً، لأن صاحب الوسائل يروي عن كتاب علي بن جعفر مباشرة من دون المرور بالتهذيب أو غيره، وتوجد مشكلة في طريق صاحب الوسائل الى مسائل علي بن جعفر، فطريقه غير واضح ومن المحتمل أن يكون هو نفس طريق العلامة المجلسي في البحار المعاصر له، وهو طريق ضعيف جداً.

أما رواية العزرمي فهي ضعيفة بالجاموراني وهو ممن نص على ضعفه، وإستثناه إبن الوليد مما يرويه محمد بن أحمد بن يحيى صاحب كتاب نوادر الحكمة، هذا مضافاً إلى العزرمي الذي لم يوثق.

وأما رواية الحسين بن زيد بن علي المسمى بذي الدمعة فيرويها الشيخ الصدوق بإسناده إلى شعيب بن واقد، وهذا السند فيه مشكلة، وكذلك الحسين بن زيد لا يوجد نص على وثاقته إلا أن يستفاد وثاقته من أمور أخرى مثل كونه معروفاً بأنه بكاء فسمي بذي الدمعة.

فالعمدة في المقام تكون صحيحة محمد بن مسلم، فاللازم البحث عن دلالتها على التحريم ثم البحث عن وجود إطلاق فيها بعد دلالتها على التحريم. فنقول لا إشكال في دلالة لسانها على التحريم، لكن الكلام في وجود إطلاق لها لكي تشمل صورة عدم منافاة خروجها لحق الإستمتاع.

قد يقال بالمنع بإنعقاد الإطلاق، بإعتبار أن فقرة الإستدلال وهي قوله (عليه السلام) (ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه) وردت بعد فقرتين كل منهما ناظر إلى مسألة الإستمتاع. الفقرة الأولى وهي (ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب) واضحة في أنها ناظرة إلى إستمتاع الزوج، والفقرة التي قبلها أيضاً ناظرة إلى ذلك، إذ نحن لم نلتزم في بحث المكروهات في الصوم بحرمة صوم المرأة بغير إذن زوجها بحيث لو صامت يقع صيامها باطلاً في صورة عدم المنافاة لحق الإستمتاع، فيمكن جعل ورود فقرة الإستدلال بعد هاتين الفقرتين قرينة على عدم الإطلاق وإختصاصها بصورة منافاة خروجها لحق الإستمتاع. نعم ذكر في صدر الرواية أوامر ونواهي للزوجة ليس لها علاقة بحق الإستمتاع، فهذا يشكك في الإطلاق، وحينئذ يجب الإقتصار على القدر المتيقن من الرواية وهو ما إذا كان خروجها منافياً لحق الإستمتاع.

أما إذا قال قائل أن فقرة الإستدلال مستقلة ويمكن التمسك بإطلاقها فهذا الأمر غير مستبعد، فيمكن أن الشارع حكم بذلك لمصلحة كأن تكون هي تنظيم العلاقة الزوجية، وخلق الثقة بين أفراد العائلة مثلاً، فيحرم عليها الخروج خصوصاً إذا أسرفت في إستخدام هذا الحق.

 

عود إلى بحث إذن الوالد والوالدة

في رواية مروان بن محمد المتقدمة يمكن تعيين أن الرواي للرواية هو محمد بن مروان الذهلي الذي روى عنه صفوان ومحمد بن يحيى بطريق صحيح، وذلك بما ذكره السيد الخوئي (قده) أن الذهلي صاحب كتاب وهو المعروف في الأسانيد والروايات، فإذا أطلق الإسم ولم يعين ينصرف إليه.

أما كلام السيد الحكيم (قده) المتقدم الذي التزم بوجوب إطاعة الوالدين وقال أن المتيقن منه ما إذا كان الأمر الصادر منهما بداعي الشفقة

فيلاحظ عليه أولاً بأنه مبني على وجود دليل يدل على وجوب إطاعة الوالدين، وهذا ما أنكره كثير من المحققين وقالوا أنه لا يوجد دليل على وجوب إطاعة الوالدين بعنوانه، وإذا كان الأمر كذلك فلا يوجد دليل أصلاً حتى يكون له قدر متيقن منه.

وثانياً بأنه لا يوجد وضوح في وجود ملازمة بين مخافة أمر أحد الوالدين الصادر منه بداعي الشفقة وبين إيذائهما، فبالإمكان أن يخالفهما بأن يأتي بالفعل الذي نهيا عنه ولكن من دون أن يستلزم ذلك إيذائهما خارجاً، كما لو كان في بلد آخر ولا يطلعان على ما يفعل الولد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo