< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

كان الكلام في إعتبار اذن الزوج بالنسبة الى الزوجة في الإعتكاف وقلنا أنه أستدل على إعتبار ذلك بوجوه، وقد تقدم الوجه الأول منها وهو الإستدلال بصحيحة أبي ولاد التي ورد فيها (وهي معتكفة بإذن زوجها)، إلا أنه يرد عليه أن الصحيحة ليست ناهضة لاثضضبات المطلوب -وإن سلمنا الإشعار فيها-، وذلك لأن السائل ينقل حالة خاصة واقعة في الخارج وهي ان الزوجة اعتكفت بإذن زوجها، ولا دلالة لها على أكثر من ذلك.

 

الوجه الثاني: ما قيل من ان الصوم المندوب شرط في الإعتكاف، ويعتبر في الصوم المندوب من الزوجة إذن الزوج، فلابد أن لا يصح إعتكافها من دون إذنه لمكان الإشتراط المذكور.

وفيه أولاً أن مشروطية صوم الزوجة المندوب بإذن الزوج أول الكلام.

وثانياً أن مشروطية الإعتكاف بالصوم المندوب ليست مسلمة، بل المعتبر فيه مطلق الصوم حتى لو كان واجباً، والصوم الواجب لا يشترط فيه إذن الزوج، ولهذا قلنا أنه يصح الإعتكاف في شهر رمضان مع أن صيامه واجب.

 

الوجه الثالث: كون الاعتكاف منافياً لحق الإستمتاع للزوج فيبطل.

لكنه غير واضح، بإعتبار أن المنافاة قد تتحقق في بعض الأحيان لكنها ليست مطردة، إذ بالإمكان إفتراض عدم منافاته لحق الزوج كما اذا لم يكن في مقام الإستمتاع لكبر أو عجز أو مرض أو سفر، فلا يمكن جعله دليلاً على إثبات الحكم بصورة عامة، فلابد من تقييد إشتراط الإذن بما إذا كان منافياً لحق الزوج في الإستمتاع كما في المتن.

فمن هنا يظهر أن الإعتكاف إن لم يكن منافياً لحق الإستمتاع فالظاهر لا دليل على بطلانه من دون الإذن، وأما إذا كان منافياً لحق الإستمتاع فالبطلان يحتاج إلى دليل، فيقع الكلام في الدليل عليه.

قد يستدل على ذلك بما ذكر من أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده أو على الأقل يقتضي سقوط الأمر -مع إفتراض الأهمية-، والزوجة في محل الكلام تكون مأمورة بالقيام بحقوق الزوج، وهذا يكون مضاداً للإعتكاف في المسجد، فعلى الأول يبطل الإعتكاف، وعلى الثاني لا طريق لتصحيحه والبناء على وقوعه عبادة صحيحة فيبطل ايضاً.

ولكن يرد عليه أولاً بأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده. وثانياً بما تقدم من أنه يمكن تصحيح الضد العبادي إما بالملاك وإما بالأمر الترتبي.

 

وإستدل السيد الحكيم (قده) في المستمسك[1] وكذا السيد الخوئي (قده)[2] -على بطلان الإعتكاف في صورة منافاته لحق الإستمتاع الثابت للزوج- بما ورد من النصوص الدالة على أن الزوجة لا يجوز لها أن تخرج من بيتها من دون إذن زوجها، وهي مقيدة بما إذا كان خروجها منافياً لحقه في الإستمتاع أو لا أقل أن هذا هو القدر المتيقن منها، والظاهر من هذه الأدلة هو تحريم المكث خارج البيت لا تحريم الخروج بما هو خروج، وعليه فمن الواضح أن الإعتكاف هو كون ومكث خارج البيت، فيكون محرماً مع عدم إذن الزوج بمقتضى تلك الأدلة، وإذا حرم الإعتكاف بطل لأن النهي في العبادة مفسد لها.

فيبدو من هذين العلمين أن توقف صحة الإعتكاف على إذن الزوج إذا كان منافياً لحقه لا يتم إلا إذا ضُمّت إليه النصوص الدالة على حرمة المكث خارج البيت مع منافاته لحق الزوج؛ فإذا فرضنا عدم وجود دليل عليها (حرمة المكث) فلا يحرم الإعتكاف.

لكن قد يقال أنها لا تتوقف على هذه النصوص، لأن الكلام أساساً في فرض منافاة الإعتكاف لحق الزوج في الإستمتاع وإلّا (مع فرض عدم منافاته لحقه) فلا إشكال في صحته وعدم إعتبار الإذن فيه، ومع هذا الفرض يكفي في حرمة الإعتكاف نفس منافاته لحق الزوج في الإستمتاع من دون حاجة إلى ضم أدلة حرمة مكث الزوجة خارج البيت. كما هو الحال في بحث النشوز فلذا قالوا هناك أن المرأة يجب عليها إزالة الموانع بل وإزالة المنفرات عن ممارسة الزوج لحقه، وعدوا عدم إزالتها من أسباب النشوز. ففي المقام نقول ببطلان الإعتكاف بإعتبار منافاته لممارسة الزوج لحقه فيجب عليها إزالته، وهذا يعني حرمة الإعتكاف عليها سواءاً دل دليل على حرمة مكثها خارج البيت أم لا.

ومن هنا يظهر أن ما ورد في المستمسك وفي تقريرات السيد الخوئي (قده) من أن الزوج إذا كان مقيماً معها في المسجد فلا دليل على البطلان لعدم صدق المكث خارج البيت عليها يكون مبنياً على إنحصار الدليل على بطلان الإعتكاف بحرمة مكث الزوجة خارج المنزل؛ أما بناءاً على حرمة الإعتكاف لمنافاته لنفس حق الزوج في الإستمتاع فلا فرق بين إقامة الزوج معها في المسجد أو عدم إقامته.

نعم، إذا لم يكن الإعتكاف منافياً لحق الزوج فالظاهر أن الإعتكاف يصح حتى مع عدم إذن الزوج بل مع نهيه، لعدم وجود دليل على أن الزوجة يجب عليها إطاعة الزوج في كل شيء، فلا يوجد دليل واضح على بطلان الإعتكاف في هذه الصورة.

 

ثم قال السيد الماتن (قده): (وإذن الوالد أو الوالدة بالنسبة إلى ولدهما إذا كان مستلزماً لإيذائهما، وأما مع عدم المنافاة[3] وعدم الإيذاء[4] فلا يعتبر إذنهم، وإن كان أحوط خصوصاً بالنسبة إلى الزوج والوالد)[5]

هناك كلام في مسألة الولد من أنه هل يجب عليه إطاعتهما أو يحرم عليه إيذاؤهما فقط؟ وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى.


[3] عدم منافاة إعتكاف الزوجة لحق الزوج.
[4] عدم إيذاء إعتكاف الولد لوالديه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo