< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

كان الكلام في صحيحة عمر بن يزيد، وقلنا ان الظاهر منها هو انه يعتبر في مسجد الإعتكاف شرطاً آخر وهو ان يكون قد صلى فيه إمام عدل صلاة جماعة، وتقدم نقل مضمون كلام الشيخ صاحب الجواهر والسيد الخوئي في المقام، وذكرنا ان المناسب ان يقع الكلام في حيثية كون المصلي فيه امام عدل لا اصل الصلاة في الجامع كما ذكرا، ولا مانع بحسب الظاهر من الالتزام بذلك فتكون النتيجة انه يعتبر في مسجد الإعتكاف ان يكون مسجداً جامعاً وان يكون قد أقام فيه أمام عدل صلاة جماعة، وهذان الشرطان متحققان في مساجدنا عادة، في مقابل المساجد التي لم يقم فيها إمام عدل صلاة جماعة كمساجد بغداد -كما في الرواية-، الا اذا ثبت اجماع على عدم اعتبار ذلك -كما ذكره الشيخ صاحب الجواهر- فحينئذ لابد من حمله على الاستحباب كما ذكر السيد الخوئي (قده).

على كل حال يظهر مما تقدم أن المساجد الخاصة الأربعة او الخمسة الواردة في النصوص يحتمل ان يكون ورودها لا من باب ان لها موضوعية في قبال مسجد الجامع بحيث يجوز فيها الاعتكاف وان لم تكن مسجداً جامعاً، وانما ذكرت باعتبار وضوح تحقق الأمرين المعتبرين في مكان الاعتكاف فيها، وهذا لا ينافي أفضلية الإعتكاف فيها. نعم لو قلنا انه يعتبر في مكان الاعتكاف ان يكون قد صلى فيه امام معصوم خصوصاً اذا اعتبرنا ان يصلي فيه صلاة الجمعة فحينئذ تكون لها خصوصية، فلا يجوز الإعتكاف في غيرها، لانه لم يثبت هذان الأمران في غيرها.

 

قال السيد الماتن (قده): (ولو تعدد الجامع تخير بينها)[1]

وجه ما ذكره هو عدم وجود مرجح لجامع على آخر.

 

ثم قال (قده): (ولكن الأحوط مع الإمكان كونه في أحد المساجد الأربعة مسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومسجد الكوفة ومسجد البصرة)

الظاهر ان هذا الاحتياط استحبابي ولا بأس به للخروج عن مخالفة أصحاب القول الأول. وقيد في المتن الإحتياط بالإمكان، ويبدو ان وجه ذلك هو أن الإحتياط في صورة عدم الإمكان يخالف الإحتياط من جهة اخرى وهي انه يلزم منه تفويت الإعتكاف.

 

الشرط السابع

قال السيد الماتن (قده): (السابع: إذن السيد بالنسبة إلى مملوكه سواء كان قناً أو مدبراً أو أم ولد أو مكاتباً لم يتحرر منه شيء ولم يكن اعتكافه اكتساباً، وأما إذا كان اكتساباً فلا مانع منه، كما أنه إذا كان مبعّضا فيجوز منه في نوبته إذا هاياه[2] مولاه من دون إذن، بل مع المنع منه أيضاً)[3]

هذا الشرط في الحقيقة هو إذن كل من له ولاية على شخص آخر، والأمور التي ذكرها السيد الماتن (قده) هي تطبيق لهذه الكبرى، ويمكن التعبير عنها -بتعبير مسامحي- إذن من يعتبر إذنه، والمقصود هو إذا ثبت أن شخصاً يعتبر إذنه بالنسبة إلى شخص آخر في بعض التصرفات في الجملة فهل إعتكافه يكون من هذا القبيل؟ أي هل يعتبر إذن ذلك الشخص في صحته؟ فالكلام يقع في المصاديق لا في الكبرى، فإن الكبرى الكلية ليس بحثها هنا.

وكذلك ينبغي أن يكون الكلام في صحة الإعتكاف من حيث هو إعتكاف من دون إدخال عنصر آخر، فلا نتكلم عن إشتراط أخذ الإذن في الصوم بإعتبار أن الإعتكاف يستبطن للصوم الواجب. فنفترض أن الصوم الواجب لا يشترط فيه الإذن، كما في صوم الزوجة، فحينئذ نبحث عن أن الإعتكاف هل يشترط فيه إذن من له الولاية عليه؟

أما إشتراط إذن السيد في صحة إعتكاف العبد فعلل بأن العبد مملوك للسيد بجميع منافعه، فيكون تصرفه في نفسه من دون إذن المالك تصرفاً في ما لا يملك، وهو غير جائز من دون إذن المالك، وإعتكاف العبد يكون تصرفاً في ملك الغير، ومن هنا يظهر أن المانع من صحة إعتكاف العبد في محل الكلام ليس من جهة تفويته لحق السيد، فيختلف عن مسألة إذن الزوج بالنسبة للزوجة، وإذن الأجير بالنسبة للمستأجر، فإنهما يرتبطان بتفويت حق الغير؛ فإعتكاف العبد لا يجوز من غير إذن السيد حتى لو لم يكن منافياً لحقه.

 

ثم قال (قده): (وكذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاص)

الظاهر من تقييد السيد الماتن (قده) للأجير بالخاص الإشارة إلى وجود قسم آخر من الأجير لا يكون الإستئجار فيه خاصاً، والظاهر أن المراد بالأجير الخاص هو الأجير الذي يستأجر بتمام منافعه.

والإجارة يمكن تصويرها بأنحاء ثلاثة:-

النحو الأول: أن تقع الإجارة على جميع المنافع، فيكون المستأجر مالكاً لجميع منافع الأجير بالإجارة. وفي هذه الحالة لا إشكال في أن صحة الإعتكاف تكون موقوفة على إذن المستأجر.

 

النحو الثاني: أن تقع الإجارة على بعض المنافع لكن مع إفتراض التضاد بينها وبين الإعتكاف، أي لا يمكن للأجيرأن يجمع بين الإعتكاف وبين ما وجب عليه بالإجارة، كما لو أستؤجر للعمل في زمان مخصوص ينافي الإعتكاف، والظاهر أنه في هذه الحالة لا مانع من الإلتزام بصحة إعتكافه، لأن هذا يدخل في مسألة (أن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده الخاص أم لا)، وحيث أن الرأي المشهور والمعروف والصحيح عدم الإقتضاء فإذا صدر منه الإعتكاف فيمكن تصحيحه إما بوجود الملاك -كما هو رأي بعضهم-، لأن الإعتكاف على الفرض لم يؤمر به للمزاحمة مع الواجب الآخر، لكن هذا لا يعني فقد الملاك، بل هو موجود ويصح الإعتكاف بإعتباره؛ وإمّا بالأمر الترتبي، فهو يكون مأموراً بالإعتكاف على تقدير عصيان ذلك الواجب الأهم، نعم هو يكون عاصياً بتركه الواجب الأهم، لكن ما يأتي به من العبادة يكون صحيحاً.

 

النحو الثالث: أن تكون الإجارة على بعض المنافع التي لا تضاد الإعتكاف، فيمكن أن يأتي بكل منهما، كما إذا أستؤجر على صلاة أو قراءة قرآن وما شاكل ذلك، ففي هذه الحالة لا ينبغي توهم عدم صحة الإعتكاف، لوجود أمرين مختلفين مع عدم المضادة بين متعلقيهما، فلكل منهما إمتثال وعصيان خاص به.

والظاهر أن السيد الماتن (قده) في عبارته كان ناظراً إلى النحو الأول من الإجارة، ولعله -والله العالم- هو المقصود من عبارته (الأجير الخاص).

قال (قده) بعد ذلك: (وإذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقه)

يفهم من الشرط عدم الحاجة إلى إذنه فيما إذا لم يكن إعتكافها منافياً لحقه. وهنا لا يأتي الكلام السابق من ملكية السيد لمنافع العبد، إذ لا معنى لملكية الزوج لمنافع الزوجة، فلذلك ذكروا وجوهاً أخرى لإثبات إعتبار إذنه في إعتكافها؛ من هذه الوجوه التمسك بصحيحة أبي ولاد الحناط قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إمرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيأت لزوجها حتى واقعها؟ فقال: إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر.[4]

فهذه الصحيحة -بغض النظر عن الحكم الوارد فيها، لأنها أثبتت الكفارة عليها للخروج من المسجد قبل إنقضاء ثلاثة أيام، والحال أنه يجوز لها الخروج منه في اليومين الأولين- تدل أو يستشعر منها على أن مسألة إشتراط الزوج قضية واضحة وهي مفروغة منها، وإلا فلا داعي إلى ذكرها، فكأنما الراوي بقوله (وهي معتكفة بإذن زوجها) يريد أن يقول أن إعتكافها كان واجداً للشرائط، فهذا يدل أو يشير على المفروغية من إشتراط إذن الزوج.


[2] أي: أتفق معه على تقسيم الوقت بين عبوديته لسيده وحريته، كيوم بيوم، أو شهر بشهر، أو سنة بسنة وهكذا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo