< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

كان الكلام في الدليل الرابع على جواز زيادة الإعتكاف على ثلاثة أيام وهو عبارة عن الروايات الدالة على ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعتكف عشرة أيام من شهر رمضان، والروايات الدالة على استحباب اعتكاف شهرين متتابعين، واستحباب اعتكاف عشرة أيام من شهر رمضان.

قد يقال ان الروايات الدالة على فعل النبي (صلى الله عليه وآله) لا تنفع في المقام لان هناك خصوصية في العشرة التي صامها (صلى الله عليه وآله) فلا يمكن التعدي الى بقية الموارد بان نلحق بالثلاثة اليوم الرابع وبالخمسة اليوم السادس وبالستة اليوم السابع، والروايات التي تدل على استحباب اعتكاف شهرين متتابعين المروية في الباب ١٢ من ابواب الاعتكاف ليست في مقام البيان من هذه الناحية أصلاً وانما هي ناظرة الى استحباب قضاء حاجة المؤمن وتقول ان من يقضي حاجة المؤمن له من الثواب كمن صام شهرين متتابعين مع إعتكافهما، فليست في مقام بيان استحباب الإعتكاف فلا يمكن التمسك باطلاقها، اذ يكفي في هذا افتراض ان الشهرين المتتابعين كانا تامين.

والصحيح في المقام ان نقول ان هذه الروايات لا يمكن الاستدلال بها في محل الكلام حتى لو اغمضنا النظر عن هذه المناقشات، وذلك لاننا تارة نفترض ان محل الكلام هو مسألة زيادة يوم او يومين على الثلاثة بعد فرض نية الإعتكاف ثلاثة أيام، وأخرى نفترض ان محل الكلام هو جواز نية الإعتكاف من البداية في ما زاد على الثلاثة كأن ينوي اعتكاف اربعة أيام.

وهذه الروايات التي ذكرت في الدليل الرابع انما تدل على جواز نية إعتكاف ما زاد على الثلاثة، ولا علاقة لها بالزيادة في الإعتكاف بعد فرض تحقق نية الإعتكاف. والظاهر من كلام السيد الماتن (قده) وغيره ان محل الكلام هو الثاني، إذ قال في الشرط الخامس من شرائط الإعتكاف: (أن لا يكون أقل من ثلاثة أيام، فلو نواه كذلك بطل وأما الأزيد فلا بأس به وإن كان الزائد يوماً أو بعضه أو ليلة أو بعضها)[1] وهذا الكلام ظاهر في جواز نية الأزيد من البداية على غرار ما ذكره في نية الأقل من ثلاثة أيام حيث ذكر انه لو نواه بطل.

وبناءاً على هذا الكلام نقول أن هذه الروايات تدل على جواز نية إعتكاف ما زاد على الثلاثة فيجوز إعتكاف عشرة أيام وإعتكاف شهرين ولو كانا ناقصين، وليس فيها دلالة على جواز أن يزيد في الإعتكاف بمعنى أن ينوي إعتكاف ثلاثة أيام ثم يزيد يوماً واحداً أو يومين.

فإذا كان مراد الذين إستدلوا بهذه الروايات -كما هو ظاهر كلمات بعضهم على الأقل- الزيادة في الإعتكاف بعد فرض نيته فهي ليست فيها دلالة على ذلك، ويكون هذا هو الجواب عن الإستدلال بها على ذلك، أما إذا كان المقصود هو جواز نية ما زاد على الثلاثة -كما هو ظاهر المتن- وهو محل الكلام فالروايات تدل على جوازه.

وعليه فالدليل الثالث المتقدم إذا تم -وقطعنا النظر عن المناقشات السابقة- يكون دالاً على جواز نية ما زاد على الثلاثة ولا يدل على جواز الزيادة في الإعتكاف بعد فرض نيته، لأن الظاهر من أحاديث الدليل الثالث نظرها إلى النية.

أما صحيحة أبي عبيدة المتقدمة فتدل على أن المكلف في اليوم الرابع بعد الإعتكاف مخيّر بين الإعتكاف ثلاثة أيام أخرى وبين الخروج من المسجد، وظاهرها أنه ليس للمكلف الحق في زيادة يوم واحد أو يومين على الإعتكاف، فهي تصلح أن تكون دليلاً على عدم جواز الزيادة في الإعتكاف.

والحاصل: إن كان الكلام في الزيادة على الثلاثة بيوم أو يومين بعد نية إعتكاف ثلاثة أيام فلا دليل على جوازها بل صحيحة أبي عبيدة ظاهرة في عدم جواز هذه الزيادة، وإن كان الكلام في نية إعتكاف ما زاد على ثلاثة أيام فلا دليل على عدم جوازها بل نصوص إعتكاف النبي (صلى الله عليه وآله) وكذلك روايات إستحباب إعتكاف شهرين متتابعين وروايات إستحباب إعتكاف عشرة أيام من شهر رمضان يمكن جعلها دليلاً على جواز نية إعتكاف ما زاد على الثلاثة، وحيث أن ظاهر المتن النظر إلى مسألة النية فيكون ما ذكره (قده) من الجواز لا بأس به.

ثم إنه لا يجب عليه إعتكاف ما زاد على الثلاثة وإن نواه، إلا إذا إعتكف في اليومين الأولين من الثلاثة الأولى أو الثانية فيجب عليه إتمامه، وأما في الثلاثة الثالثة فأكثر فيأتي الكلام عنها.

قال السيد الماتن (قده): (ولا حد لأكثره)

العبارة -بناءاً على الكلام المتقدم- ظاهرة في النية وأنه لا يوجد حد من ناحية الكثرة، فيجوز له أن ينوي إعتكاف ما يزيد على الثلاثة بلا تحديد، ويستدل عليه:-

أولاً بإطلاقات بعض الأدلة كما عن السيد الخوئي (قده).

وثانياً بعدم التحديد في الإعتكاف من ناحية الكثرة في بعض الروايات التي حددت الإعتكاف من ناحية القلة، وهذا يدل على جواز النية في الإعتكاف ولا تحديد فيها من ناحية الكثرة.

وثالثاً بالروايات التي وردت في إعتكاف النبي (صل الله عليه وآله) وروايات إستحباب إعتكاف شهرين متتابعين وروايات إستحباب إعتكاف عشرة أيام في شهر رمضان، فلا يوجد في هذه المجاميع من الروايات تحديد في النية فيمكن أن ينوي ما زاد على ذلك.

 

ثم قال (قده) بعد ذلك: (نعم لو اعتكف خمسة أيام وجب السادس، بل ذكر بعضهم أنه كلما زاد يومين وجب الثالث، فلو اعتكف ثمانية أيام وجب اليوم التاسع وهكذا، وفيه تأمل)[2]

أشار السيد الماتن (قده) إلى الثلاثة الثانية وحكم بوجوب اليوم الثالث فيها إذا إعتكف في اليومين الأول والثاني، ولم يشر إلى الثلاثة الأولى ولكن لا إشكال أنها كالثلاثة الثانية فيجب ثالث أيامها كذلك، وتأملَ في الثلاثة الثالثة وما بعدها.

بالنسبة إلى الثلاثة الأولى فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام.[3]

ودلالتها على المدعى واضحة.

والثلاثة الثانية فيدل عليه ذيل معتبرة أبي عبيدة الحذاء، حيث قال الإمام (عليه السلام): (فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر) [4] ، والمراد من (الثلاثة) هو الثلاثة الثانية.

أما بالنسبة إلى الثلاثة الثالثة وما بعدها فقد صرح الشهيدان في الدروس والمسالك بإلحاقها بالثلاثة الأولى والثانية من حيث أنه كلما إعتكف يومين وجب يوم الثالث، ونقل عن المسالك والمدارك أنهما إستدلا على ذلك بعدم القول بالفصل بين يوم السادس الذي دلت على وجوبه معتبرة أبي عبيدة وبين كل ثالث؛ لكن كما قلنا أن السيد الماتن (قده) تأمل في ذلك، والظاهر أن منشأه هو أنه لا دليل عليه، إذ الإعتكاف المبحوث عنه مندوب بلحاظ الأيام الثلاثة كلها وليس واجباً، وإنقلاب المندوب إلى الواجب خلاف القاعدة ويحتاج إلى دليل وهو موجود بالنسبة إلى يوم الثالث والسادس كما تقدم، لكنه مفقود بالنسبة إلى يوم التاسع و الثاني عشر وهكذا؛ والظاهر أن التأمل في محله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo