< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

قال السيد الماتن (قده): (نعم لو كان الشروع فيه في أول الليل أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت)[1]

هذا الكلام مبني على جواز إدخال الليلة الأولى (غير الليلتين المتوسطتين) او ابعاضها في الإعتكاف وسيأتي بحثه. وعليه فلا يضر النوم بعد النية لانه يكون في اثناء الإعتكاف.

ثم قال (قده): (ولو نوى الوجوب في المندوب أو الندب في الواجب اشتباهاً لم يضر إلا إذا كان على وجه التقييد لا الاشتباه في التطبيق.)

هذه المسألة تتكرر دائماً والمقصود منها واضح، فان المكلف تارة ينوي الأمر الواقعي الفعلي المتوجه اليه -في علم الله- لكنه اشتباهاً يعتقد انه وجوبي، بينما هو في الواقع ندبي، او يعتقد انه ندبي بينما هو في الواقع وجوبي، هذا هو الإشتباه في التطبيق وفي هذه الصورة ينبغي الحكم بصحة العمل، لانه نوى بالأخرة الأمر الفعلي المتوجه اليه، نعم هو اشتبه في التطبيق لكنه غير ضار بصحة العمل.

وأخرى ينوي الوجوب مثلاً على نحو لو علم بان الحكم الواقعي هو الندب لا يقصد العمل ولا ينويه، هذا هو التقييد وفي هذه الصورة حكموا بفساد العمل، لانه لم يمتثل أمراً حقيقياً واقعياً متوجهاً اليه وإنما امتثل أمراً تخيلياً، فما امتثله ليس له ثبوت في الواقع وما له ثبوت في الواقع لم يمتثله، بل هو مصمم على عدم امتثاله حسب الفرض.

بعبارة اخرى: المفروض في صورة التقييد عدم قصد إمتثال الأمر الواقعي الفعلي المتوجه اليه،

وبهذا يظهر الفرق بينه وبين صورة الإشتباه في التطبيق، حيث إنه في صورة الإشتباه في التطبيق المكلف يكون قد إمتثل الأمر الفعلي الواقعي المتوجه اليه وهذا كاف لصحة العمل.

هذا، لكن إستشكل السيد الخوئي (قده) في أن يكون المقام من باب التقييد، حيث ان التقييد انما يمكن حينما يكون هناك امر متعلق بطبيعة يكون لها فردان، أما اذا فرضنا -كما في محل الكلام- جزئياً خارجياً فان هذا غير قابل للتقييد، مثل ضربك شخصاً فانه فعل خارجي جزئي ولا معنى لان يكون مقيداً بحيث يكون ثابتاً على تقدير، ومع عدم ذلك التقدير ينتفي، فلا معنى لأن يكون ضربك متحققاً على تقدير ان يكون المضروب ابن عمرو بحيث اذا لم يكن ابن عمرو ينتفي الضرب، فالجزء الخارجي لا يتصور فيه التقييد والإشتباه فيه دائماً يكون من باب الاشتباه في التطبيق، ومحل الكلام من هذا القبيل، لأن الإعتكاف فعل خارجي صادر من المكلف في الخارج ولا معنى لتقييده بالوجوب مثلاً بحيث يكون موجوداً اذا تحقق القيد وينتفي اذا انتفى القيد، فالمناسب الحكم بصحة العمل عندئذ.[2]

أقول أن هذا الكلام -بناءاً على ما ذكرناه في وجه الحكم بصحة العمل على تقدير أن يكون مأخوذاً من باب التقييد- يمكن التأمل فيه، بإعتبار أن المقصود بالتقييد في مقابل الإشتباه بالتطبيق هو ليس ما ذكره (قده) من أن الفعل الصادر منه على تقدير كونه واجباً يكون موجوداً وعلى تقدير كونه مندوباً فلا وجود له، وإنما المقصود بالتقييد هو أن المكلف يأتي بالفعل لأنه يعتقد وجوبه، ولو علم كونه مندوباً لما جاء به، فوجود الفعل خارجاً ليس منوطاً ومعلقاً بشيء بل هو متحقق خارجاً على كلا التقديرين، غايته أنه على تقدير كون الوجه هو الندب فإن الفعل لا يصدر عن المكلف؛ وعليه فلا مانع من إفتراض أن الواقع الخارجي تارة يكون على نحو التقييد وأخرى على نحو الإشتباه في التطبيق، فكلام السيد الماتن (قده) لا بأس به.

 

قال السيد الماتن (قده): (الرابع: الصوم فلا يصح بدونه)

وهذه قضية لا خلاف فيها للتسالم وتظافر النصوص بذلك، والروايات وردت بألسنة عديدة وبعضها معتبرة سنداً، فأصل إعتبار الصوم في الإعتكاف لا كلام فيه، لكن الكلام يقع في أنه هل يجب في الصوم أن يكون لأجل الإعتكاف أو لا؟ والجواب أنه لا ينبغي أن يقع الإشكال في عدم وجوبه، فيجوز أن لا يكون الصوم للإعتكاف سواء أكان واجباً كالقضاء أو لا، للروايات التي نقلت سيرة النبي (صل الله عليه وآله) وفعله، حيث كان يعتكف في شهر رمضان وهذا أدل دليل على عدم إعتبار أن يكون الصوم المعتبر في الإعتكاف لأجل الإعتكاف -بحيث لو كان الصوم لأجل شهر رمضان فلا يصح الإعتكاف-، فكل صوم مشروع يمكن الإتيان به في الإعتكاف ويكون محققاً لشرط صحته.

 

ثم قال (قده): (وعلى هذا فلا يصح وقوعه من المسافر)

فبناءاً على شرطية الصوم في الإعتكاف لا يصح الإعتكاف من المسافر لعدم صحة الصوم في السفر الذي يلازم عدم صحة الإعتكاف، لأن ما يكون شرطاً في صحة الصوم يكون شرطاً في صحة الإعتكاف بالملازمة.

وهذا الرأي هو المشهور، لكن يوجد من خالف فيه، حيث حكي عن الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والشيخ ابن إدريس قولهم بجواز الإعتكاف في السفر. واستدل لهم بأن أدلة مشروعية الإعتكاف مطلقة غير مقيدة بالحضر، ومقتضى إطلاقها هو جواز الإتيان بالإعتكاف في السفر، فيجوز أن يكون الصوم الواجب في الإعتكاف في السفر.

وفيه: أن هذا ليس بأولى من العكس وهو أن نقول أن الصوم يعتبر في الإعتكاف، ومقتضى إطلاق ما دل على عدم صحة الصوم في السفر هو أنه لا يجوز الصوم في السفر سواءاً أكان في حال الإعتكاف أم في غير حالة الإعتكاف، وبالتالي لا يجوز الإعتكاف في السفر لعدم صحة الصوم فيه.

وعليه فيوجد لدينا دليلان مطلقان -هما دليل مشروعية الإعتكاف ودليل عدم جواز الصوم في السفر- والنسبة بينهما هي العموم من وجه، فيقع التعارض بينهما في مادة الاجتماع وهي الإعتكاف في السفر، ومع إفتراض عدم وجود مرجح في البين يتساقطان ولا يبقى لدينا دليل على مشروعية الإعتكاف في السفر فنحكم بعدم مشروعيته. والسيد الخوئي (قده) ذكر أن القضية واضحة وأن من ذهب إلى جواز الإعتكاف في السفر كلامه غير واضح، لأن مقتضى الجمع بين الدليلين (وهما ما دل على أنه (لاإعتكاف إلا بصوم) وما دل على (عدم صحة الصوم في السفر)) هو عدم صحة الإعتكاف في السفر.[3]

لكن ما ذكره (قده) فيه تأمل، لأن من ذهب إلى صحة الإعتكاف في السفر لم يقصر النظر على الدليلين الذين ذكرهما السيد الخوئي (قده)، بل نظر إلى الدليل الدال على مشروعية الإعتكاف وتمسك بإطلاقه، وهذا الدليل نسبته إلى الدليل الدال على عدم صحة الصوم في السفر هي العموم والخصوص من وجه، فيقع التعارض بينهما في مورد الاجتماع، والنتيجة واحدة وهي عدم صحة الإعتكاف في السفر.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo