< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إستحباب الصوم تأدباً/ صوم المريض

 

هناك دليلان آخران غير الدليلين اللذين ذكرناهما في الدرس السابق لإيجاب الصوم على المريض فيما إذا برأ قبل الزوال ولم يتناول مفطراً:-

الدليل الثالث: -هذا الدليل في واقعه يعود الى الاستدلال بروايات المسافر كالدليل الثاني المتقدم الا انه يختلف عنه في كيفية الإستدلال- وهو ان يقال ان الصوم له حقيقة واحدة بالنسبة الى جميع المكلفين، و يفهم مما ورد في المسافر -من انه يجدد النية اذا قدم اهله قبل الزوال و لم يتناول مفطراً- ان حقيقة الصوم لم يؤخذ فيها لزوم ان تكون النية من ابتداء طلوع الفجر، فيطبق ذلك على المريض ويقال بانه لا يعتبر في صومه ان ينوي من حين طلوع الفجر وان الصوم يتحقق بالنسبة اليه حتى اذا نوى قبل الزوال.

 

الدليل الرابع: أن يقال إن كثرة الموارد التي دل الدليل فيها على امتداد وقت النية الى ما بعد طلوع الفجر -كالمسافر في الصورة السابقة، والجاهل بالموضوع أي الجاهل بان اليوم الذي هو فيه من شهر رمضان اذا علم بذلك قبل الزوال ولم يتناول شيئاً، والناسي لنية الصوم من طلوع الفجر اذا تذكر قبل الزوال و لم يتناول شيئاً- تأخذ بأيدينا الى إلغاء خصوصيات تلك الموارد في ادلتها والإلتزام بقاعدة عامة في الصوم، والإلتزام بان هذه الموارد ليست استثناءاً من القاعدة، فتطبق القاعدة على المريض.

 

ويلاحظ عليهما:-

 

أما ما ذكر في الدليل الثالث من ان الصوم له حقيقة واحدة بلحاظ جميع المكلفين فليس واضحاً، لأن معنى ذلك ان كل حكم اعتبر في الصوم بالنسبة الى مكلف بعنوان خاص لابد ان يكون معتبراً بلحاظ جميع المكلفين، وهذا لا دليل عليه، فيمكن ان يكون هناك شىء معتبر في صوم الصحيح و لا يعتبر في صوم المريض، او في صوم المرأة ولا يعتبر في صوم الرجل، او في صوم العالم ولا يعتبر في صوم الجاهل، بل هذا الفرق بين هذه الموارد واقع لا فقط انه ممكن.

ونحن لا نمانع من ان يكون للصوم حقيقة واحدة لكنها تختلف باختلاف الحالات ومن مكلف الى آخر، فنجوز للمكلف الصيام اذا فاتته النية للجهل او النسيان او السفر -باعتبار ان الشارع اكتفى بهذا المقدار و إن كان الواجب هو الصوم من حين طلوع الفجر- و لا نجوز له اذا فاتته بغير هذه الأسباب.

 

وأما ما ذكر في الدليل الرابع ايضا ليس واضحاً، لان ثبوت هذا الحكم في حق الجاهل بالموضوع والناسي اول الكلام، ومن هنا يظهر انه لا توجد عندنا مصاديق متعددة كثيرة بحيث نتمكن من الغاء الخصوصيات وانتزاع معنى كلي منها وهو ان كل صائم يمكن له تجديد النية قبل تحقق الزوال.

 

على ان هذه الأدلة فيها لازم باطل لا يمكن الإلتزام به الا بدليل، وهو انه يكون حال العالم العامد ايضاً ذلك، فنجوز له ان ينوي الصوم قبل الزوال، ومن عدم امكان الإلتزام بهذه النتيجة نستكشف انه لا يمكننا ان نقول ان الصوم له حقيقة واحدة بالنسبة الى الجميع، بل تختلف حقيقته من مورد الى آخر -اذا قلنا ان الصوم له حقائق وانها تتبدل حسب الموارد-، فبالنسبة الى العالم العامد حقيقة الصوم متقومة بشروع النية من طلوع الفجر، وبالنسبة الى الموارد المتقدمة تكون حقيقة الصوم متقومة بالنية قبل الزوال.

 

والحاصل: أن هذه الوجوه لا تنهض لاثبات ما ذكروه من وجوب الصوم على المريض وامتداد وقت النية بالنسبة اليه الى ما قبل الزوال فيما اذا برأ من مرضه قبله و لم يتناول مفطراً.

 

أما مسألة عدم وجوب الإمساك في الصور الثلاثة الأخرى -وهي ما إذا برأ قبل الزوال وقد تناول المفطر، أو برأ بعد الزوال مطلقاً، أي سواء تناول المفطر أم لا- فما ذكروه من عدم وجوب الصوم عليه وعدم صحته منه صحيح، وذلك لعدم إمكان الصوم لتناول المفطر أو لفوات وقت النية عليه.

 

وإنما الكلام في الأدلة التي ذكروها للحكم بإستحباب الإمساك له تأدباً بإعتبار أنه حكم شرعي ويحتاج إلى دليل -وهذا الدليل تام في المسافر-، أما الأدلة التي تقدمت من(تشبههم بالصائمين، وأمنه من تهمة من يراه، ورواية الزهري) فجميعها لا تنهض لإثبات الحكم الشرعي، لإستحسانية الدليلين الأولين، وضعف الرواية سنداً، بل الفقرة التي هي محل الإستدلال وردت في الفقيه دون الكافي، وهي (....وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق بالصوم تأديباً وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك امر بالامساك بقية يومه تأديباً وليس بفرض، وكذلك المسافر....)[1]

فهذه العبارة على تقدير ثبوتها فغاية ما فهم منها الفقهاء هو إثبات الحكم لصورة تنوال المفطر ثم البرء قبل الزوال، بينما نحن نريد أن نعمم الحكم لصورتي ما بعد الزوال، إلا أن يدعى بالأولوية، بإعتبار أنه تناول المفطر قبل الزوال وأثبتنا له الحكم فمن باب أولى ثبوت الحكم لصورتي ما بعد الزوال.

 

فمن هنا يتبين أن وجوب الصوم على المريض في الصورة الأولى (وهي ما إذا برأ قبل الزوال ولم يتناول مفطراً) يكون خلاف القاعدة، إذ القاعدة تقتضي عدم الوجوب، لأنه يشترط في وجوب الصوم أمران: (الإمساك عن المفطرات طوال الوقت) و (أن يكون هذا الإمساك مقارناً مع النية القربية التي هي من طلوع الفجر إلى الغروب). وفي المقام وقع بعض الإمساك من دون نية، فنحتاج إلى دليل على الإكتفاء بهذا الصوم الناقص.

نعم توجد شبهة إجماع على وجوب الصوم عليه فيخرج به عن مقتضى القاعدة، كما إدعى ذلك في صاحب المدارك، والفيض في مفاتيح الغيب، والمحقق السبزواري في الذخيرة.

لكن يمكن التشكيك في وجود إجماع بل حتى وجود شهرة على هذا، وذلك لذهاب جماعة على ما حكي إلى عدم الوجوب كالسيد إبن زهرة، وإبن حمزة في الوسيلة اللذين ظاهر كلامهما عدم الوجوب، لإطلاقهما الحكم بإستحباب الإمساك للمريض من دون تفصيل بين قبل الزوال أو بعده. كما أنه حكي عن الشيخ الطوسي في الاقتصاد، والشيخ الحلبي في الكافي القول بعدم الوجوب.

فدعوى الإجماع صدرت من المتأخرين، ومع وجود هؤلاء المخالفين لا تكون واضحة حتى توجب التوقف.

قال في الجواهر بعد أن ذكر الوجوه لإستحباب الإمساك (أن الجميع كما ترى لا يصلح لقطع الأصل وغيره، والله أعلم)[2] .

هذا تمام الكلام في صوم المريض.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo