< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم أيام التشريق

المبحث الثاني

ويقع الكلام فيه عن ان حرمة صوم ايام التشريق _التي فرغنا عنها_ هل تختص بمن كان بمنى او انها تشمل الجميع ؟

 

والقول بالاختصاص هو المعروف و المشهور بينهم على ما قيل، وإن كان يبدو ان القول بعدم الاختصاص ليس قولاً نادراً وشاذاً، ويظهر هذا من كلام المحقق في الشرائع حيث انه ذكر بان من جملة المحظورات هو صوم ايام التشريق لمن كان بمنى على الاشهر…

فان كلامه -بناءاً على رجوع (على الاشهر) الى الاختصاص بمن كان بمنى- يكون دالا على ان الاختصاص هو الأشهر، و من الواضح ان المقابل للاشهر هو المشهور، فيكون القول بعدم الاختصاص مشهوراً.

خصوصاً اذا قلنا بان عدم الاختصاص نستظهره من اطلاق عبائر الفقهاء، حيث ان كثيراً من عبائرهم -خصوصاً عبائر القدماء- مطلقة وغير مقيدة بمن كان بمنى، فاذا قلنا ان هذا الاطلاق يعبر عن وجهة نظرهم -باعتبار انه لو كانوا يرون الاختصاص لنبهوا عليه- تكون شهرة القول بعدم الاختصاص أوضح.

و نحن انما نذكر هذا من اجل ان بعضهم ادعى الاجماع على الاختصاص بمن كان بمنى، فيكون مخالفا لما يظهر من هذه العبارة.

 

و على كل حال النصوص في المقام مختلفة و يمكن جعلها على طائفتين:-

الطائفة الأولى: هي الطائفة المطلقة التي تحرم صوم ايام التشريق مطلقاً ولو لم يكن بمنى، خصوصاً اذا لاحظنا انه ورد فيها عطف ايام التشريق على صوم العيدين، اذ من الواضح ان حرمة صوم العيدين لا تختص بمن كان في منى.

الطائفة الثانية: هي الطائفة المقيَّدة الدالة على حرمة صوم ايام التشريق لمن كان في منى.

 

الطائفة الاولى

الرواية الاولى: رواية قتيبة الأعشى

قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن صوم ستة أيام: العيدين، وأيام التشريق، واليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان.[1]

 

الرواية الثانية: موثقة سماعة

قال: سألته عن صيام يوم الفطر؟ فقال: لا ينبغي صيامه، ولا صيام أيام التشريق.[2]

 

الرواية الثالثة: رواية كرام

قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم؟ فقال صم، ولا تصم في السفر، ولا العيدين، ولا أيام التشريق، ولا اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان.[3]

 

الرواية الرابعة: رواية أبي أيوب

عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار، فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة، كيف يصنع ؟ قال : يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام، فيكون قد صام شهرين متتابعين، ثم قال: ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضي الثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها ، ولا بأس إن صام شهراً ثم صام من الشهر الذي يليه أياماً ثم عرضت علة، أن يقطعه ثم يقضي بعد تمام الشهرين.[4]

هذه الروايات تدل على الحرمة بصورة مطلقة من غير اختصاص بمن كان بمنى، وهي تامة سنداً، وقد تكون هناك روايات اخرى تدل على التحريم بنحو مطلق ايضاً.

ويظهر من تقريرات السيد الخوئي (قده) ان رواية ابي ايوب من الروايات المقيدة ونقلت في التقرير بهذا الشكل (يصوم ذا الحجة كله الا ايام التشريق في منى)[5] ، والحال ان كلمة (بمنى) غير موجودة لا في الوسائل ولا في المصدر، فتكون من الروايات المطلقة كما صنعنا.

 

الطائفة الثانية

الرواية الأولى: صحيحة معاوية بن عمار:

قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صيام أيام التشريق؟ فقال: أما بالأمصار فلا بأس به، وأما بمنى فلا.[6]

الرواية الثانية: صحيحة معاوية بن عمار الثانية

قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صيام أيام التشريق؟ فقال: إنما نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن صيامها بمنى، فأما بغيرها فلا بأس.[7]

 

الرواية الثالثة: صحيحة منصور بن حازم

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول: النحر بمنى ثلاثة أيام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام ، والنحر بالأمصار يوم ، فمن أراد أن يصوم صام من الغد.[8]

وهذه الروايات الثلاثة تدل على الاختصاص بشكل واضح.

 

الرواية الرابعة: صحيحة كليب الأسدي

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن النحر؟ قال: فقال أما بمنى فثلاثة أيام، وأما في البلدان فيوم واحد.[9]

فانه يمكن استفادة الاختصاص منها بناءاً على ارتكاز ان يوم النحر او ايام النحر لا يجوز صومها، فانه حينئذ تكون الرواية دالة على ان ايام النحر بمنى ثلاثة لا يجوز فيها الصوم، اما في البلدان فيوم النحر يوم واحد فيجوز صوم ما عدا يوم العيد.

ورد في تقريرات السيد الخوئي (قده) في سياق الروايات المقيَّدة زائداً على رواية ابي ايوب -التي تقدم الكلام عنها آنفاً- صحيحة يحيى الأزرق (عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعاً وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة؟ قال: يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق.)[10]

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي ؟ قال : يصوم ثلاثة أيام قبل يوم التروية ، قال : فإن فاته صوم هذه الأيام فقال: لا يصوم يوم التروية ، ولا يوم عرفة ، ولكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق)[11] فإنهما وإن دلتا على حرمة الصوم في أيام التشريق لمن كان في منى، ولكن لا يمكن جعلهما من الروايات المفصلة، إذ لم تدلا على جواز الصوم لمن ليس في منى.

 

الكلام في كيفية الجمع بين هاتين الطائفتين

الجمع الاول: -وهو مذكور في كلمات الاعلام- الالتزام بالتقييد، حيث ان روايات الطائفة الاولى مطلقة تشمل من كان في منى ومن لم يكن، وروايات الطائفة الثانية تدل على جواز صوم ايام التشريق لمن كان في الامصار، فتكون اخص مطلقاً من روايات الطائفة الأولى، فتقيدها وتكون النتيجة ما عليه المشهور من اختصاص حرمة صوم ايام التشريق بمن كان بمنى.

ويلاحظ على هذا الجمع بانه اشبه بحمل المطلقات الكثيرة على الفرد النادر -مع الأخذ بعين الإعتبار قلة الحاج في زمن النص-، فكيف تحمل كل هذه المطلقات على من كان بمنى، خصوصاً مع ورود بعضها في سياق النهي عن صوم العيدين، والنهي عن الصوم في السفر اللذين لا يختصان بمن كان بمنى.

 

الجمع الثاني: ما اشار اليه الشهيد الثاني في الروضة من ان روايات الطائفة الاولى(المطلقة) تختص بمن كان بمنى من اول الأمر، فلا تعارض بين الطائفتين، وذلك لأن روايات الطائفة الاولى عبرت بـ(ايام التشريق) بصيغة الجمع الذي اقله ثلاثة أيام، وهذا ينسجم مع من كان بمنى لأن ايام التشريق لمن كان بمنى ثلاثة ايام، وايام التشريق لمن كان في الامصار يومين فقط. وقد عبر البعض عن هذا الوجه بانه لطيف.

وفيه انها كيوم النحر لا تختلف باختلاف الاماكن، وإنما هي معنى واحد بالنسبة إلى الجميع. هذا مضافاً إلى ان هذه الدعوى (كون ايام التشريق لمن كان في منى ثلاثة ايام ولمن كان في الامصار يومين) تحتاج إلى اثبات. وقد يؤيد ما ذكرناه -من وحدة معناها لمن كان في منى ومن لم يكن- صحيحة معاوية بن عمار (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صيام أيام التشريق؟ فقال: أما بالأمصار فلا بأس به، وأما بمنى فلا).[12]

 

الجمع الثالث: -ما ذكره بعض المحققين- بأن نحمل النهي عن الصوم لمن كان بمنى على من أراد أن يصوم صوماً واجباً -كما هو المتعارف لمن كان هناك، فإنه عادة يصوم صوماً واجباً بدل الهدي، فلذا كثر السؤال في الروايات عن المتمتع الذي لم يجد هدياً- ونحمل جوازه لمن ليس بمنى على من أراد أن يصوم صوماً مستحباً -كما هو المتعارف أيضاً لمن ليس هناك-. فلا خصوصية ل(منى) ولا ل(أمصار)، فيحرم صوم أيام التشريق لمن صامها صوماً واجباً مطلقاً (أي سواء كان في منى أم لا)، ويجوز صومها لمن صامها صوماً مستحباً مطلقاً (أي سواء كان بمنى أم لا).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo