< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم أيام التشريق

 

(تقدم ان هناك تنافياً بين طائفتين من الأخبار بلحاظ ايام التشريق). لا يخفى ان المتيقن من الطائفتين هو حرمة صوم اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر، وانما الكلام في اليوم الثالث عشر فانه يحرم صومه بناءاً على الطائفة الاولى لانه من ايام التشريق، و لا يحرم صومه بناءاً على الطائفة الثانية.

 

وجه رفع التنافي بين الطائفتين

هو ان يقال ان ما دل على جواز صوم اليوم الثالث عشر يمكن حمله على ما اذا خرج من منى، وما دل على حرمة صوم ايام التشريق يختص بمن كان بمنى _كما سيأتي في المبحث الثاني _، فيجمع بين الطائفتين بذلك. فيكون حاصل الطائفة الاولى انه يحرم صوم الايام الثلاثة بعد العيد على من كان بمنى، ويكون حاصل الطائفة الثانية انه يجوز صوم اليوم الثالث عشر اذا خرج من منى، وبالنتيجة نلتزم بمضمون اخبار الطائفة الأولى و هو ان ايام التشريق التي يحرم صومها هي عبارة عن الايام الثلاثة بعد العيد، و هذا هو المعروف والمشهور.

و هذا الجمع يمكن ان يستشهد له ببعض الأخبار من قبيل صحيحة رفاعة، وصحيحة العيص بن القاسم، وصحيحة حماد[1] :-

أما صحيحة رفاعة

(قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتمتع لا يجد الهدي ؟ قال : يصوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، قلت : فإنه قدم يوم التروية قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت ؟ لم يقم عليه جماله ، قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين ، قال : قلت : وما الحصبة ؟ قال : يوم نفره ، قلت : يصوم وهو مسافر ؟ قال : نعم، أليس هو يوم عرفة مسافراً إنا أهل بيت نقول ذلك، لقول الله عز وجل " فصيام ثلاثة أيام في الحج " يقول في ذي الحجة.[2] )

فباعتبار انها تصرح بان يوم الحصبة هو يوم النفر وانه يصوم يوم الحصبة، فالرواية تقول بصوم اليوم الثالث عشر لأنها إفترضت خروجه من منى، ولهذا سأل الراوي انه كيف يصوم وهو مسافر؟!

 

أما صحيحة العيص بن القاسم

(عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن متمتع يدخل يوم التروية وليس معه هدي ؟ قال : فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة، ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائماً، وهو يوم النفر، ويصوم يومين بعده.[3] )

فيمكن ان يستفاد منها أن تجويز الصوم في اليوم الثالث عشر انما هو لاجل انه يوم النفر _لكنها ليست صريحة فيه_. فتجويز الصوم في هذا اليوم يكون باعتبار ان اليوم الثالث عشر هو اليوم الذي يكون النفر فيه عادة.

 

أما صحيحة حماد

(قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : قال علي (عليه السلام) : صيام ثلاثة أيام في الحج، قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة يعني ليلة النفر، ويصبح صائماً ويومين بعده وسبعة إذا رجع.[4] )

فبالاعتبار المتقدم .

 

و على كل حال يبدو ان هذا الحمل هو ظاهر صحيحة رفاعة، وباقي اخبار الطائفة الثانية لا تأبى هذا الحمل على اقل تقدير، لان نفس كون يوم الحصبة هو يوم النفر (أي اليوم الذي ينفر فيه الحجاج عادة من منى) يعطي احتمالية ان يكون تجويز صوم يوم الحصبة باعتبار انه خرج من منى، فلا تكون هناك منافاة بين الطائفتين.

و هذا ما يحتاج الى استعراض باقي اخبار الطائفة الثانية مرة اخرى لكى يتضح ما نرمي اليه:-

أما صحيحة معاوية بن عمار

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن متمتع لم يجد هدياً؟ قال : يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، قال: قلت : فان فاته ذلك ؟ قال : يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده ، قلت : فإن لم يقم عليه جماله أيصومها في الطريق ؟ قال : إن شاء صامها في الطريق ، وإن شاء إذا رجع إلى أهله[5]

قد يقال ان هذه الصحيحة تنافي الحمل الذي ذكرناه، بدعوى ان ظاهرها هو ان صوم يوم الحصبة و يومين بعده المأمور به يكون في منى (أي قبل السفر)، ولذا سأل عن صومها في الطريق اذا لم يقم عليه جماله، فان المستفاد من هذا الكلام ان صومها اذا قام عليه جماله لا يكون في الطريق فيكون في منى.

ويجاب عن هذا الاشكال بطرح احتمال كون المقصود صوم يوم الحصبة وما بعده في مكة (أي بعد خروجه من منى)، ويكون المراد بقوله (لم يقم عليه جماله) أي لم ينتظره في مكة. ويستفاد صوم الثلاثة الأيام في مكة من بعض الاخبار كرواية حذيفة بن منصور ( عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن معه هدي صام قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، فإن لم يصم هذه الثلاثة الأيام صام بمكة ، فان أعجلوا صام في الطريق ، وإذا أقام بمكة بقدر مسيره إلى منزله فشاء أن يصوم السبعة الأيام فعل)[6]

 

أما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج

(قال : كنت قائماً أصلي وأبو الحسن (عليه السلام) قاعد قدامي، وأنا لا أعلم فجاءه عباد البصري فسلم ثم جلس ، فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع ولم يكن له هدي ؟ قال : يصوم الأيام التي قال الله تعالى قال : فجعلت سمعي إليهما ، فقال له عباد وأي أيام هي ؟ قال : قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، قال: فإن فاته ذلك ؟ قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك ، قال : فلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن ، قال : فأيش قال ؟ قال: يصوم أيام التشريق قال : إن جعفراً كان يقول : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بديلاً ينادي إن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومن أحد ، قال : يا أبا الحسن إن الله قال : " فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " قال : كان جعفر يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج.)[7]

فليس فيها ظهور بانه صام يوم الحصبة بمنى، ويمكن حملها على الصوم بعد الخروج من منى كما هو المعتاد، لأن اليوم الثالث عشر هو يوم النفر من منى.

 

أما صحيحة أبي أيوب

(عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار، فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة، كيف يصنع ؟ قال : يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام، فيكون قد صام شهرين متتابعين، ثم قال: ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضي الثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها ، ولا بأس إن صام شهراً ثم صام من الشهر الذي يليه أياماً ثم عرضت علة، أن يقطعه ثم يقضي بعد تمام الشهرين.)[8]

فالظاهر امكان حمل هذه الرواية على وجوب صوم اليوم الثالث عشر _باعتبار انه يجب عليه صوم شهرين متتابعين_ بعد خروجه من منى، ولو جمعاً بينها وبين اخبار الطائفة الاولى_ الدالة على حرمة صيام اليوم الثالث عشر_ لتجنب المنافاة.

 

ونفس الكلام يأتي في صحيحة منصور بن حازم

(عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : النحر بمنى ثلاثة أيام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام ، والنحر بالأمصار يوم ، فمن أراد أن يصوم صام من الغد.)[9]

 

وهذا (أي كون ايام التشريق هي الثلاثة بعد العيد ) هو المعروف والمشهور بين العامة والخاصة، ويذكر المعنى الثاني عند الفقهاء بعنوان (احتمال). نعم قد تطلق ايام التشريق على العيد واليومين الذين بعده، لكن المتعارف والواضح هو الايام الثلاثة بعد العيد، وهذا الوضوح يجعل ما ذكرناه من الجمع غير بعيد.

هذا تمام الكلام عن المبحث الأول.

 

المبحث الثاني: هل تختص حرمة صوم ايام التشريق بمن كان بمنى؟ أو تعم جميع المكلفين؟

 


[1] تقدم الكلام حول هذه الروايات ضمن الطائفة الثانية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo