< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين

 

هناك ملاحظة ترتبط بالمناقشة الواردة على معتبرة الفضل بن شاذان المتقدمة _حيث ناقشنا فيها بأن عدم محبوبية الصلاة مع الحدث -الذي هو ظاهر المعتبرة- لا يلازم مبغوضيتها، فلا يمكن إستفادة حرمة الصلاة مع الحدث منها حتى نستدل بذلك على كون الحرمة ذاتية_

وهي أنه قد يقال: يظهر من المعتبرة أن فقرة (فأحب الله أن لا يعبد إلا طاهراً) وردت في سياق التعليل عن نهي الحائض عن الصلاة والصوم، إذ قال الإمام (عليه السلام): (إذا حاضت المرأة فلا تصوم ولا تصلي، لأنها في حد نجاسة، فأحب الله أن لا يعبد إلا طاهراً)، ومن الواضح أن عدم المحبوبية -وهو المعنى الظاهر من الفقرة بناءاً على المناقشة السابقة- لا يناسب أن يكون تعليلاً للنهي المذكور، إذ لا معنى أن يعلل النهي الظاهر في التحريم بأمر لا إلزام فيه وهو عدم المحبوبية.

ولكن نقول: أن التعليل ظاهر في معنى عدم المحبوبية من دون أن يلازمه معنى المبغوضية ، وحينئذ التعليل يكون قرينة على حمل النهي على معنى الذي يناسب صرف عدم المحبوبية، لأن ظهور العلة أقوى من ظهور المعلل ومقدم عليه، فلابد من حمل النهي على التنزيه.

 

رجوع الى محل البحث و هو ان حرمة صوم يوم العيدين تشريعية ام ذاتية

 

نقول:

 

أولاً: هل توجد ملازمة بين حرمة الصلاة على الحائض ذاتاً وبين حرمة سائر العبادات -كالصوم- عليها كذلك؟

 

وثانياً: لو قلنا بالملازمة المذكورة، فهل توجد ملازمة بين حرمة صوم الحائض ذاتاً وبين تحريم صوم العيدين حرمة ذاتية؟

 

الظاهر عدم ثبوت الملازمة الأولى فضلاً عن الملازمة الثانية، إذ نحتمل خصوصية في الصلاة، وأن إثبات الحرمة الذاتية يحتاج إلى الدليل، وقد دل الدليل على حرمة صلاتها ذاتاً ولم يدل على حرمة سائر عباداتها كذلك، فنقتصر على ما دل عليه الدليل وهو صلاة الحائض. فلا يجوز لها أن تقف أمام القبلة وتأتي بأفعال الصلاة ولو لم تنو التشريع -كما إذا كانت في مقام التعليم- لحرمتها ذاتاً عليها، ولكن يجوز لها أن تمسك عن المفطرات من الفجر إلى غروب الشمس من دون التشريع وقصد الأمر -كما إذا كانت مريضة-.

 

نعم يلتزم بالحرمة الذاتية بالطواف لدلالة موثقة البصري، وذكرنا ما ذهب إليه السيد الخوئي (قد) من حمله على الطواف الواجب الموسع وان النهي عنه باعتبار تمكن المكلف من الاتيان به في وقت آخر، وحمل البعضُ النهيَ على ما يستلزمه الطواف من دخول المسجد الحرام، لكن ذكرنا ان ظاهر الرواية حرمة الطواف نفسه،

وقد يقال بعدم الظهور لأن الموثقة بعدما تقول تقعد قرئها تقول تحتاط بيوم أو يومين، فالاحتياط طبق على ترك الصلاة فقط لا ترك الوطء والطواف، والاستدلال بالرواية على الحرمة الذاتية يعتمد على التعبير بالاحتياط، لكن هذا غير واضح فالظاهر من الرواية ما ذكرناه من ان الاحتياط بالقعود عما كانت تقعد عنه في ايام حيضها وهو شامل للوطء والطواف.

الروايات التي يستدل بها على حرمة صوم العيدين

الرواية الاولى: رواية الزهري (عن علي بن الحسين عليه السلام - في حديث - قال : وأما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام من أيام التشريق ، وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه[1] - إلى أن قال : - وصوم الوصال حرام ، وصوم الصمت حرام ، وصوم نذر المعصية حرام ، وصوم الدهر حرام)[2] ولا دلالة فيها على الحرمة الذاتية بمجرد تحريم صوم يوم الفطر، لعدم ظهور الحرمة في مثل المقام في الحرمة التكليفية، خصوصاً مع قرينة ما ذكر في الرواية من حرمة (صوم الوصال .....)

فالظاهر من الحرمة في هذه الامور الحرمة تشريعية لا الحرمة ذاتية، فلا يلتزم بكون الحرمة في الوصال ذاتية التي تعني الامساك عن المفطرات في الليل والنهار، فهذا يعني انه يجب عليه ان يتناول المفطر، ولا احد يلتزم بذلك.

الرواية الثانية: رواية حماد بن عمرو وأنس بن محمد ، عن أبيه جميعا ، (عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام - في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام - قال : يا علي ، صوم الفطر حرام ، وصوم يوم الأضحى حرام)[3]

ولا دلالة فيها على الحرمة الذاتية لما تقدم من ان امثال ذلك ارشاد إلى عدم المشروعية و البطلان

الرواية الثالثة: الحسين بن زيد (عن الصادق ، عن آبائه عليهم السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صيام ستة أيام : يوم الفطر ، ويوم الشك ، ويوم النحر ، وأيام التشريق)[4]

وفيها اولاً عدم دلالة (نهى) في حد نفسه على الحكم التكليفي وثانياً ان النهي عن صوم يوم الشك قرينة على ان الحرمة ليست ذاتية.

الرواية الرابعة: سماعة (قال : سألته عن صيام يوم الفطر ؟ فقال : لا ينبغي صيامه ، ولا صيام أيام التشريق)[5]

وفيها انها _على فرض استفادة التحريم من قوله (لا ينبغي) _لا دلالة فيها على الحرمة الذاتية.

 

الرواية الخامسة: مكاتبة القاسم الصيقل ( أنه كتب إليه : يا سيدي ، رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق - إلى أن قال : - فكتب إليه : قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها، وتصوم يوما بدل يوم)[6]

وكأن نظر الامام عليه السلام إلى عدم اجزاء صوم هذه الايام عن النذر ولابد من صوم يوم آخر، خصوصاً مع التعبير بـ(قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها)

الرواية السادسة: رواية قتيبة الأعشى قال (قال أبو عبد الله عليه السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم ستة أيام : العيدين ، وأيام التشريق ، واليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان)[7]

و نفس الكلام السابق يأتي هنا من عدم دلالة النهى على الحكم التكليفي في امثال المقام و على فرض التنزل يكون المستفاد الحرمة التشريعية بقرينة النهى عن صيام يوم الشك

و انما التزمنا بالحرمة الذاتية في صلاة الحائض لقرائن موجودة في تلك الروايات تقتضي ان تكون الحرمة حرمة ذاتية

الرواية السابعة : رواية كرام قال ( قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم؟ فقال صم، ولا تصم في السفر، ولا العيدين، ولا أيام التشريق، ولا اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان.)[8]

الكلام فيها هو الكلام السابق

الرواية الثامنة : رواية كرام قال (حلفت فيما بيني وبين نفسي أن لا آكل طعاما بنهار أبدا حتى يقوم قائم آل محمد، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: رجل من شيعتكم جعل الله عليه أن لا يأكل طعاما نهارا أبدا حتى يقوم قائم آل محمد؟ قال: فصم يا كرام، ولا تصم العيدين ولا ثلاثة أيام التشريق، ولا إذا كنت مسافرا، ولا مريضا. الحديث.)[9]

و من الواضح ان المريض و المسافر لا يحرم عليهما الصوم حرمة ذاتية

و على كل حال ليس في هذه الروايات ما يمكن ان يستدل به على الحرمة الذاتية فعلى تقدير ان نلتزم بالحرمة الذاتية يلتزم بها فقط في صلاة الحائض و الطواف بالنسبة اليها على احتمال .

 


[1] في تهذيب الاحكام، الشيخ الطوسي، ج4، ص296. (وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه أمرنا به ان نصومه مع صيام شعبان ونهينا عنه ان ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo