< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين

 

الكلام يقع في أقسام الصوم المحظور، قال السيد الماتن:

 

وأما المحظور منه: ففي مواضع أيضاً:

 

أحدها: صوم العيدين الفطر والأضحى، وإن كان عن كفارة القتل في أشهر الحرم، والقول بجوازه للقاتل شاذ، والرواية الدالة عليه ضعيفة سندا ودلالة.

 

لا كلام في أصل حرمة صوم العيدين، إذ لا خلاف فيها، بل متفق عليها بين علماء المسلمين، والروايات الدالة عليها مستفيضة، ذكرها صاحب الوسائل في الباب الأول من أبواب الصوم المحرم والمكروه، [1] وفيها ما هو الصحيح سنداً. إنما الكلام في جواز صوم يوم العيد لمن وجبت عليه كفارة القتل في أشهر الحرم.

 

تقدم سابقاً من السيد الماتن[2] أن من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم أنه لا يسلم له بتخلل العيد، وهذا الحكم أستثني منه موارد، من جملتها كفارة القتل في أشهر الحرم، ونحن أجّلنا البحث عنها هناك، والآن حان الموعد للتكلم عنها، فنقول:

 

من قتل شخصاً في أشهر الحرم يجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، وهذا يتحقق بصوم (ذي القعدة وذي الحجة)، أو بصوم (ذي الحجة ومحرم) فقط، وفي كلتا الحالتين يعلم بتخلل العيد وانه لا يسلم له صوم الشهرين المتتابعين، فيجوز للقاتل أن يشرع في صوم الشهرين مع علمه بتخلل ما يمنع من التتابع سواء كان العيد أو غيره.

 

بناء على الالتزام بجواز ان يشرع في صوم الكفارة في اشهر الحرم كأن يبدأ من شهر ذي القعدة فيصوم شهرين متتابعين– كما دلت عليه الروايات الصحيحة و سيأتي ذكرها - ففي الحقيقة هذا يكون إستثناءاً من أمرين:-

 

الأول: من حرمة صوم يوم العيد.

 

الثاني: من تحقق التتابع في الشهرين المتتابعين بصوم شهر هلالي ويوم من الشهر الآخر. إذ لو كان التتابع المعتبر في كفارة القتل في أشهر الحرم يتحقق بصوم شهر هلالي ويوم من الشهر الآخر، لما حكم الإمام (عليه السلام) بجواز صوم يوم العيد في الكفارة المذكورة، لأنه حينئذ بإمكان القاتل أن يصوم شهر ذي القعدة ويوماً من ذي الحجة، أو يصوم آخر يوم من ذي الحجة وشهر محرم[3] من دون تخلل العيد، فجواز صوم يوم العيد لا يتحقق إلا بهذا الإستثناء الثاني. فيجب على القاتل في أشهر الحرم أن يصوم شهرين متتابعين بتمامهما في هذه الأشهر.

 

الرواية _ أو الروايات على الخلاف _ هي رواية زرارة المروية في الفقيه والتهذيب وفي الكافي، ومعظم هذه الطرق صحيحة، ففي الفقيه، وروى ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة قال : " (سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) " عن رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم ، قال : عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، قلت : إن هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق ؟ فقال يصومه فإنه حق لزمه)[4]

الرواية دالة على وجوب صوم يوم العيد، وهذا الوجوب استثناء مما دل على حرمة صوم يوم العيد، ومما دل على تحقق التتابع بصوم شهر ويوم من الشهر الثاني، وسند هذه الرواية تام اذ طريق الصدوق إلى ابن محبوب تام ولا اشكال في وثاقة ابن محبوب وعلي بن رئاب وزرارة.

وروى الشيخ في التهذيب ( الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة قال :سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم قال : عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ؟ قلت : ان هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق ؟ فقال : يصومه فإنه حق لزم )[5] .

وهذه الرواية تشابه رواية الصدوق مضموناً، وسندها تام ايضاً، وذكر الشيخ بعد هذه الرواية (ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام في رجل قتل في الحرم قال : عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، قال : قلت : هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق ؟ قال : فقال : يصوم فإنه حق لزمه .)[6]

وسند الرواية تام، وقد اختلف موضوعها عن الرواية السابقة اذ موضوع هذه الرواية هو رجل قتل في الحرم بينما موضوع الرواية السابقة هو رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم .

وروى الكليني (عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام قال : تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، قلت : فإنه يدخل في هذا شئ ، فقال : ما هو ؟ قلت : يوم العيد وأيام التشريق قال : يصومه فإنه حق يلزمه)[7]

وفي سند هذه الرواية سهل بن زياد، فيتوقف اعتبارها على توثيق سهل وتضعيفه، والملاحظ اشتراك الروايات في بعض السند وهو (الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب، عن زرارة) وبعضها مروي عن ابي عبد الله وبعضها عن ابي جعفر عليهما السلام.

وروى الكليني ايضاً (علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن تغلب ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : رجل قتل رجلا في الحرم ؟ قال : عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا ، قال : قلت : يدخل في هذا شئ ، قال : وما يدخل ؟ قلت : العيدان وأيام التشريق ، قال : يصومه فإنه حق لزمه)[8]

وهذه الرواية تدل على نفس المطلب لكن موضوعها (رجل قتل رجلا في الحرم) وليس (رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم) وسندها تام ظاهراً ، ولكن يشكل في رواية ابن ابي عمير عن ابان بن تغلب، فالسيد الخوئي (قد) يقول ان وفاة ابن ابي عمير سنة 217ه بينما وفاة ابان بن تغلب اما 140 أو 141 ه فالفرق بين الوفاتين هو 77 أو 76 سنة ويلزم من ذلك _على فرض رواية ابن ابي عمير عنه وهو في عمر 20 سنة_ ان يكون عمر ابن ابي عمير 97 سنة ومن هنا قال السيد الخوئي (قد) بعدم امكان رواية ابن ابي عمير عن ابان واشكل على هذه الرواية بالإرسال.

وقد ذكرنا في محله طول عمر ابن ابي عمير، بحيث ادرك زمان الامام الصادق عليه السلام، فلا مانع من روايته عن مثل سدير الصيرفي، وسيأتي البحث عن امكان روايته عن ابان بن تغلب.

وعلى كل حال فبعض الطرق الصحيحة كافية في اعتبار الرواية، واختلاف موضوع الروايات يكفي لاحتمال تعددها، فيكون في المقام حكمان الاول للقتل في الحرم والثاني للقتل في الاشهر الحرم، وكفارة كل منهما الصوم شهرين من اشهر الحرم، ويكون في ضمن الشهرين يوم العيد، ومحل كلامنا هو القتل في الاشهر الحرم، والذي يظهر من الروايات ان صوم شهرين من اشهر الحرم يلازم دخول العيد وايام التشريق، ولو كان في ذهن السائل تحقق التتابع بصوم شهر ويوم من الشهر الثاني ما قال (يدخل في هذا شئ)، وقد اقر الامام عليه السلام فهم الملازمة بين صوم هذين الشهرين وبين دخول يوم العيد وايام التشريق في صومهما، بل ظاهر السؤال والجواب المفروغية عن هذا المطلب

يظهر من بعضهم و منهم الشيخ صاحب الجواهر حمل الرواية على ما اذا اراد ان يصوم الشهرين بالنحو المستلزم لدخول العيد و ايام التشريق _لا انه توجد ملازمة بين صوم الشهرين و بين دخول العيد و ايام التشريق _كما انه اذا فرضنا انه شرع في الصوم من منتصف ذي القعدة و الحال ان له ان لا يفعل ذلك بان يشرع في الصوم من بداية ذي القعدة و يكمل ذا القعدة و يصوم يوما من ذي الحجة و لا يلزم من ذلك دخول العيد و ايام التشريق، فلا يلزم من ذلك تخصيص ما دل على تحقق التتابع بصوم شهر و يوم من الشهر الاخر فتكون الرواية استثناء من حرمة صوم يوم العيد فقط لانه بالنتيجة في صورة ما اذا اراد ان يصوم بنحو يدخل فيه العيد يجوز له ذلك.

و الانصاف ان الرواية لا تعطي هذا المعنى لان ظاهرها وجود ملازمة بين صوم شهرين متتابعين في اشهر الحرم و بين تخلل العيد و ايام التشريق و قد اقرها الإمام عليه السلام باعتبار ان السائل بعد قول الامام عليه السلام ( عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ) قال: (إن هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق) و هذا لا يكون في محله الا اذا كان السائل قد فهم الملازمة و الامام عليه السلام اقره على ذلك بقوله (يصومه فإنه حق لزمه )و لم ينبهه على انه لماذا قلت بانه يدخل فيه العيد و ايام التشريق مع انه يمكنك ان تصوم ذا القعدة و يوما من ذي الحجة

و عليه يكون حمل الرواية على ما اذا اراد ان يصوم بنحو يصادف العيد و ايام التشريق في الاثناء خلاف الظاهر

و لذا نحن نستظهر من الرواية انها استثناء من حكمين احدهما حرمة صوم يوم العيد و الاخر هو ما دل على تحقق التتابع بصوم شهر و يوم من الشهر الاخر

هل يمكن الالتزام بمضمون هذه الروايات ؟

ذهب جماعة بالالتزام بمضمون هذه الروايات و اعتبروا ذلك استثناء من حرمة صوم يوم العيد و قالوا بانه لا مانع من الالتزام بذلك بل لا مانع من الالتزام بوجوب صوم يوم العيد كما يظهر من الرواية لقوله عليه السلام (حق لزمه )

و في المقابل التزم جماعة اخرون بعدم الاستثناء و انكروا ذلك و كيف يمكن الانكار مع وجود رواية او روايات معتبرة تدل على ذلك _سواء كان حكمها محل كلامنا او القتل في الحرم لان النتيجة واحدة و هى الاستثناء _.

 


[2] لاحظ المسألة الرابعة من فصل صوم الكفارة من كتاب الصوم.
[3] بناءاً على عدم إشتراط تقدم الشهر الهلالي على اليوم من الشهر الآخر في التتابع الشرعي المعتبر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo