< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/01/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المكروه/ صوم عاشوراء

كان الكلام في الفرع الرابع و قلنا أن الشيخ إبن إدريس قيد الإستحباب بعدم الاعلام بالصوم و لعل مستنده في ذلك هو رواية جميل بن دراج المتقدمة[1] ، حيث اُخذ عدم الإعلام في موضوع الإستحباب، و كان في كلام الإمام (عليه السلام).

 

قد يقال: أن بعض الروايات تدل على علم السائل[2] بالصوم و مع ذلك أمر الإمام (عليه السلام) بالإفطار[3] ، من قبيل قوله (عليه السلام): "فسأله أن يفطر عنده، فليفطر".

فالإستحباب ثابت حتى مع علم السائل بالصوم.

 

لكن نقول: أن هذه الروايات غير تامة سنداً و دلالة،

و عدم تماميتها دلالة، بإعتبار أن لفظ "الإفطار" الوارد فيها غير ظاهر في معناه الشرعي -و هو الأكل بعد الصوم- الذي يلازمه علم السائل بالصوم، لأنه من المحتمل أن يراد منه مطلق الأكل، و لعل وجه تعبيره بالإفطار كان بلحاظ الواقع، لأنه نوى الصوم ثم أفطر و ان كان صاحب المنزل لا يعلم بذلك، فلا تدل هذه الروايات على علم السائل بصومه.

 

ثم على فرض تماميتها - سنداً و دلالة - فلا تعارض ما ذهب إليه إبن إدريس لإختلاف موردهما، لأن رواية جميل بن دراج - التي هي مستند قول إبن إدريس- موردها هو جهل السائل بالصوم، بإعتبار أن الإعلام و عدمه فرع جهل السائل بالصوم ، و لا يتصوران مع علمه بذلك، أما هذه الروايات فموردها هو علم السائل بالصوم، و تريد تثبت الإستحباب في هذا المورد. فتفصيل إبن إدريس يجري في صورة جهل السائل فقط و لا يكون ناظراً لصورة علمه.

 

قال السيد الماتن: بل قيل بكراهته حينئذٍ.

بعض الكتب الفقهية كالشرائع أدرجوا الإستمرار بالصوم مع طلب الإفطار، في الصوم المكروه، و ناقش هذا الحكم صاحب المدارك بعدم وجود دليل على كراهة الصوم، و النصوص الموجودة تدل على إستحباب الإفطار و أفضليته على الصوم، و هذا لا يلازم كراهة الصوم.

 

صاحب الجواهر حاول أن يستدل على الكراهة بأدلة ثلاثة:

 

الأول: أن هذا الحكم مما أفتى به بعض الفقهاء.

 

الثاني: رواية سماعة بن مهران المتقدمة[4] ، حيث قال الإمام (عليه السلام) فيها: "إذا دخلت منزل أخيك فليس لك معه أمر".

 

الثالث: رواية حسين بن حماد المتقدمة[5] ، إذ قال (عليه السلام) فيها: "إذا قال لك أخوك: كل وأنت صائم فكل، ولا تلجئه إلى أن يقسم عليك"

 

ثم قال صاحب الجواهر: "و كفى في مثل ذلك دليلاً لمثلها". أي هذه الأدلة الثلاثة كافية لإثبات الكراهة.

لكن جميعها محل نظر

 

أما دليله الأول فيتوقف على تمامية قاعدة التسامح في أدلة السنن، و على شمولها للكراهة، و على تعميمها لفتوى الفقيه بإعتبار أنها نوع من البلوغ.

 

و اما الروايتان اللتان ذكرهما فلا تدلان على كراهة الصوم،

 

اذ الرواية الأولى ظاهرة في الأمور التي لو فعلها الصائم لوقع صاحب المنزل في الحرج و الضيق، ففي هذه الموارد القيادة تكون بيد صاحب المنزل بمعنى أن الصائم لا يفعلها من دون موافقته، و عدم إفطار الصائم ليس حرجياً على صاحب المنزل،

و ليست ظاهرة في كل شيء يفعله الصائم على الإطلاق و إن لم يكن فيه حرج عليه.

و مما يؤيد هذا المعنى الاخبار التي تنهى عن صوم الضيف إلا بعد موافقة صاحب المنزل، لأن صوم الضيف من دون موافقته يوقعه في الحرج.

 

مضافاً إلى ذلك يمكن ان تكون هذه الرواية ناظرة إلى الضيف الذي ينزل منزل أخيه، لا إلى الصائم الذي يدخل منزل أخيه بعد أن نوى الصوم كما هو محل كلامنا[6] .

 

و الرواية الثانية و ان كان فيها نهي و هو "و لا تلجئه إلى ..." و لكن لا يستفاد من النهي عن الإلجاء النهي عن الصوم، لعدم الملازمة بينهما.

 

و قد يستدل على الكراهة ببيان آخر و هو: أن الكراهة في العبادات تكون بمعنى قلة الثواب، و الروايات دلت على أفضلية الإفطار على الصوم، و هذا يعني أن الصوم أقل ثواباً من الإفطار.

 

لكنه غير تام، إذ ليس المقصود من الكراهة في العبادات هو أن يكون شيء أقل ثواباً من أي شيء آخر، و إلّا لاتصفت الأحكام كلها بالكراهة حتى الواجبات، لأن الصلاة في المسجد مثلا أفضل و أكثر ثواباً من الصلاة في البيت، و الصلاة في الحمام أقل ثواباً من الصلاة في البيت، و الصلاة أفضل من الصوم و هكذا، بل المقصود منها هو نقصان الثواب لأجل بعض الخصوصيات بالنسبة إلى الثواب المترتب على العمل من دون أي خصوصية.

 

بعبارة أخرى: هناك مقدار معين من الثواب يترتب على الطبيعة المجردة عن الخصوصيات كالصلاة من دون لحاظ أي خصوصية فيها، ثم إن هذه الطبيعة لكي توجد في الخارج لابد أن تكون في ضمن خصوصيات فردية، فبعض هذه الخصوصيات توجب زيادة ثواب الفرد الواجد لها على الثواب المترتب على الطبيعة كالصلاة في المسجد، و بعضها الآخر توجب نقصان ثواب الفرد الواجد لها عن ذلك الثواب كالصلاة في الحمام، و بعضها لا توجب زيادة و لا نقصاناً في الثواب كالصلاة في البيت. و الحكم بالكراهة يشمل فقط الخصوصيات التي توجب نقصاناً عن الثواب المترتب على الطبيعة.

 

و هذا المعنى من الكراهة غير متحقق في المقام، لأن الروايات و ان دلت على مفضولية الصوم بالقياس إلى الإفطار و أن الإفطار يكون أكثر ثواباً منه، إلّا أن هذا التفضيل لا ينفعنا بناءاً على ما هو الصحيح من معنى الكراهة ، اذ لا تدل هذه الروايات على وجود خصوصية في الصوم سبّبت نقصان ثوابه عن المقدار المترتب على الطبيعة، بحيث لو فقدت هذه الخصوصية لحصل الصائم على ذلك المقدار بتمامه.

 

و من هنا يتبين أن الإلتزام بالكراهة لا يخلو من توقف و تأمل، إلا اذا قلنا بكفاية فتوى بعض الفقهاء في ثبوت الكراهة.

 

قال السيد الماتن : وأما المكروه منه: بمعنى قلة الثواب ففي مواضع أيضا:

منها: صوم عاشوراء.

هذه المسألة خلافية و الاقوال فيها ثلاثة :

الاول : انه مستحب و هذا ما ذهب اليه المحقق في الشرائع بقيد ان يكون على وجه الحزن و قد علق عليه الشيخ صاحب الجواهر بقوله بلا خلاف اجده فيه و نقل عن ظاهر الغنية الاجماع على ذلك.

الثاني : انه حرام و هذا ما ذهب اليه صاحب الحدائق

الثالث : انه مكروه و هذا ما ذهب اليه السيد الماتن و مشهور المتأخرين

 

_الظاهر ان هذا الاختلاف في صوم يوم عاشوراء انما هو فيما اذا لم يكن على نحو التبرك و التأسي ببني امية و الا يكون محرما و قد ورد في الروايات ان حال الصائم فيه حال بني امية و آل زياد .

 

ثم ان منشأ اختلاف الاقوال الاختلاف في الروايات فنقول يمكن تقسيم الروايات الى طائفتين

الاولى هى الطائفة الدالة على المنع

الثانية هى الطائفة الدالة على الجواز

و لا يخفى ان القول بالكراهة انما هو نتيجة الجمع بين الروايات كما سيأتي

 

الطائفة الاولى

منها : ما رواه الشيخ صاحب الوسائل عن محمد بن يعقوب، عن الحسن [7] بن علي الهاشمي، عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان، (عن أبان، عن عبد الملك)[8] قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم؟

فقال: تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشام، وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بنوافل[9] الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابه كرم الله وجوههم، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين عليه السلام ناصر، ولا يمده أهل العراق، بأبي المستضعف الغريب، ثم قال: وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام صريعا بين أصحابه، وأصحابه صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟!

كلا ورب البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام، غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام،فمن صام أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه، ومن ادخر إلى منزله فيه ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك.[10]

 

منها [11] : وعنه[12] ، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن جعفر بن عيسى أخيه قال: سألت الرضا عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه؟ فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام، وهو يوم يتشائم به آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويتشائم به أهل الاسلام، واليوم الذي يتشائم به أهل الاسلام لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وما أصيب آل محمد إلا في يوم الاثنين فتشائمنا به، وتبرك به عدونا ويوم عاشوراء قتل الحسين عليه السلام وتبرك به ابن مرجانة، وتشائم به آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمن صامهما أو تبرك بهما لقى الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب، وكان حشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما.

و بهذا المضمون ورد الحديث الرابع في نفس الباب

 

منها [13] : وعنه[14] عن محمد بن موسى، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي الوشاء قال: حدثني نجية بن الحارث العطار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: صوم متروك بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة قال: نجية فسألت أبا عبد الله عليه السلام من بعد أبيه عليه السلام عن ذلك فأجابني بمثل جواب أبيه ثم قال: اما إنه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن علي عليهما السلام.

و هى تدل على الحرمة من جهة انه بدعة بعد نسخ صوم عاشوراء بنزول شهر رمضان و هذا الوجه للمنع غير ما تقدم في الروايات السابقة .

نعم يمكن تفسيره بحيث يتلائم مع الاستحباب بان يقال ان صوم عاشوراء كان واجبا و نسخ بنزول شهر رمضان فارتفع وجوبه فيكون الاتيان به بعنوان انه واجب و غير منسوخ بدعة و اما الاتيان به لا بهذا العنوان يمكن ان يكون مستحبا .

هذه الروايات الاربع يرويها الشيخ صاحب الوسائل عن الشيخ الكليني عن الحسن بن علي الهاشمي و وقع الكلام في انها روايات متعددة او رواية واحدة و السيد الخوئي يرى انها رواية واحدة و ناقش في سندها من جهة الحسن بن علي الهاشمي باعتبار انه لم ينص على وثاقته و الظاهر ان الامر كما قال فانه لم ينص على وثاقته فتكون هذه الروايات من جهته على الاقل ضعيفة .

اما بالنسبة الى انها رواية واحدة او متعددة فان الظاهر انها ليست رواية واحدة باعتبار انه و ان كان الذي يروي عنه الشيخ الكليني في جميع هذه الروايات هو الحسن بن علي الهاشمي لكنها ليست متحدة في المضمون فان الرواية الاخيرة يختلف مضمونها عن باقي الروايات و اى ضير في ان يروي هذا الشخص روايتين مختلفتين مضمونا و ان كانتا تتحدان بحسب النتيجة و هو النهى عن صوم يوم عاشوراء.

 


[1] و هي الرواية الرابعة التي تقدم ذكرها – إرجع إلى الوسائل ١٠/١٥٢ ح٤ب٨ من أبواب آداب الصائم.
[2] اى طالب الافطار و الذي هو صاحب المنزل بحسب الفرض.
[3] كالرواية رقم ١ و ٧ و ٩.
[4] و هي الرواية رقم ١٤.
[5] و هي الرواية رقم ١١.
[6] بعض الروايات الموجودة في الباب الثامن تدل على أن محل كلامنا هو الصائم الذي يدخل منزل أخيه بعد أن قد نوى الصوم كالرواية رقم ١ و ٤ و ٥ و غيرها.
[7] في بعض نسخ الكافي عن الحسين.
[8] في نسخة ابان بن عبد الملك.
[9] في نسخة بقوافل و في المصدر بتوافل.
[11] الحديث الثالث من الباب السابق.
[12] الحسن بن علي الهاشمي.
[13] الحديث الخامس من الباب السابق.
[14] الحسن بن علي الهاشمي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo