< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة٨/ بطلان التتابع هل يكشف عن بطلان الأيام السابقة

(مسألة ٨): إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيام السابقة فهي صحيحة وإن لم تكن امتثالا للأمر الوجوبي ولا الندبي لكونها محبوبة في حد نفسها من حيث أنها صوم وكذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء فإن الأذكار والقراءة صحيحة في حد نفسها من حيث محبوبيتها لذاتها.

 

الكلام يقع في صحة صوم الأيام السابقة فيما اذا بطل التتابع، كمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين و قطع التتابع اختيارا بعد مضي أيام من الصيام.

حكم السيد الماتن بالصحة من دون أن يكون ما اتى به امتثالا للأمر الوجوبي و لا الندبي، و ذلك لان ما أتى به في الأيام السابقة كان محبوبا في حد نفسه لانه صوم و الصوم محبوب في حد نفسه.

و قال ان نظير هذا الكلام يجري في قطع الصلاة بالنسبة الى الأذكار و القراءة السابقة، لان الدعاء و ذكر الله تعالى محبوب في حد نفسه.

 

اما أن صيام الأيام السابقة لا يكون امتثالا للأمر الوجوبي فواضح، لان ما أتى به لم يطابق المأمور به، فان الواجب عليه هو صيام شهرين بشرط التتابع و هو لم يأتِ به لانه قطع التتابع.

 

ولكن لماذا لا يكون امتثالا للأمر الندبي؟ ألا يوجد امر ندبي بإستحباب الصوم في أي يوم عدا الأيام التي يحرم أو يكره الصوم فيها؟

بعبارة أخرى: الأيام السابقة كانت مأمورة بأمرين احدهما الامر الوجوبي و المفروض انها لم تكن امتثالا له، و الآخر الأمر الندبي، فما المانع من ان تكون أمتثالا للأمر الندبي مع ان نية القربة متحققة منه فلا أشكال من هذه الجهة.

 

وجه منع الماتن من ان تكون امتثالا للأمر الندبي هو ان الصائم لم يقصد بصومه امتثال الأمر الندبي بل قصد به الأمر الوجوبي، و صحة الصوم بعنوان انه صوم ندبي متوقفة على قصد امتثال الأمر الندبي المفقود في المقام. إذن ما قصده الصائم لم يقع و ما وقع منه و هو الإتيان بذات الصوم لم يقصده.

و الثمرة من هذا الكلام[1] تظهر في النذر، فمن نذر ان يصوم صوما صحيحا يستطيع ان يجعل صوم الأيام السابقة وفاءا لنذره.

 

السيد الخوئي له كلام في المقام، و وافق فيه السيد الماتن في النتيجة و هي صحة صوم الأيام السابقة، ولكنه خالفه في الإستدلال على هذه النتيجة.

لأنه يرى إمكانية تصحيح صوم الأيام السابقة بالأمر الندبي و انه يقع امتثالا له من دون حاجة الى التمسك بمحبوبية الصوم في حد نفسه.

و ذلك بإعتبار ان عبادية صوم الشهرين المتتابعين مثلا لم تنشأ من الأمر الوجوبي و هو الأمر بالكفارة، حتى يقال ببطلان صوم الأيام السابقة لانه لو كانت عباديته تنشأ من الامر الوجوبي فعدم امتثاله يؤدي الى بطلان الأيام السابقة، بل عباديته نشأت من الأمر الندبي المتعلق بالصوم بالعنوان الأولي.

بعبارة أخرى: صوم الكفارة بعنوانه الأولي -أي بعنوان انه صوم- قد تعلق به أمر ندبي، و بعنوانه الثانوي -أي بعنوان انه كفارة- تعلق به امر وجوبي، و هو بصوم الأيام السابقة امتثل ذلك الامر الندبي اذ المقصود بالصحة هو الإتيان بالمأمور به و هو حاصل انتهى مضمون كلامه

 

ما يمكن ان يقال في المقام هو ان الكلام في الصحة و معنى الصحة عند الفقهاء هو مطابقة المأتي به للمامور به و موافقة الامر و ان شئت فقل الاجزاء عن الامر المتوجه و يترتب على ذلك عدم وجوب الاعادة و القضاء

و مع الاخذ بعين الاعتبار معنى الصحة

يلاحظ على كلام السيد الماتن انه لا يكفي في اثبات الصحة مجرد المحبوبية اذ نحن نتكلم عن الصحة و الاجزاء فلو فرضنا انه ليس امتثالا للامر الوجوبي و لا الندبي كما فرضه فما معنى الصحة عندئذ؟ و ما معنى انه مجز؟

الصحة بالنسبة الى الامر الوجوبي انما تكون اذا اتى بصوم الشهرين بنحو التتابع لانه حينئذ يكون المأتي به موافقا المأمور به

و بالنسبة الى الامر الندبي المتعلق بالصوم بعنوانه الاولي انما تكون اذا اتى بالصيام بقصد امتثال الامر المتعلق به _ لان المامور به ليس مطلق الصوم بل الصوم العبادي اى الصوم الذي يقصد به امتثال امره _لانه حينئذ يكون المأتى موافقا للمامور به فيتحقق الاجزاء و سقوط الامر الندبي بلا حاجة الى الاعادة و القضاء[2]

 

فالصحة لا يمكن فرضها لا بلحاظ الامر الوجوبي و لا بلحاظ الامر الندبي _كما تقدم_ لان الصوم الذي اتى به ليس امتثالا لهما و المحبوبية لا تكون موجبة للصحة بحسب المعنى المتقدم بل حتى عبادية الصوم ايضا محل اشكال لانه موقوف على ان يقصد هذه المحبوبية القائمة في نفس الصوم اما اذا فرض كما في محل الكلام انه اتى بالفعل من دون قصد المحبوبية بل لاجل كونه مطالبا بالكفارة و قد اخل بالكفارة لانه اخل بالتتابع فلا يكون عباديا

و من هنا يظهر ان ما ذكره السيد الماتن من اثبات الصحة لكون الفعل محبوبا لا يخلو من شيء اذا كان المراد بالصحة المعنى المطروح في محل الكلام

اما ما ذكره السيد الخوئي كاشكال على الماتن [3] _ و ان كان موافقا له في النتيجة_فانه لا يرد عليه

اذ السيد الماتن لا يظهر من عبارته انه ينكر تعلق الامر الندبي بالصوم بعنوانه الاولي و انما ينكر كون ما جاء به امتثالا للامر الندبي

 

اما ما ذكره السيد الخوئي من وجه تصحيح الصيام،

فالظاهر ان تتميمه صعب باعتبار ان الامتثال في العبادات لا يكون الا بقصد الامر لان المامور به هو الصوم العبادي اى الصوم بقصد امتثال الامر اما اذا لم يأت به كذلك كما هو المفروض في المقام لا يقع عبادة و لا يقع صحيحا

اللهم الا ان يقال ان ما يشترط في العبادات ليس هو الاتيان بالعبادة بقصد امتثال الامر المتعلق بها و انما الذي يشترط فيها لكى تقع صحيحة هو ان يأتي بها متقربا الى الله تعالى باى نحو من انحاء التقرب و المكلف في محل الكلام و ان لم يقصد الامر الندبي لكن بالتالي اتى به متقربا الى الله تعالى و لو كان التقرب كان حاصلا له في ضمن قصده امتثال الامر الوجوبي و هو الامر بالكفارة فيكون ما اتى به عبادة و بالتالي صحيحا فيكون امتثالا للامر الندبي

هذا المطلب لا يبعد ان يكون صحيحا و لعله يكون هو مقصود السيد الخوئي.

 


[1] اى الكلام في صحة صيام الايام التي صامها المكلف.
[2] و كل منهما غير متحقق في المقام لان المفروض ان المكلف و ان كان قد قصد الامر الوجوبي لكنه اخل بالمأمور به بان قطع التتابع فلا يكون الصوم صحيحا من جهة الأمر الوجوبي و الامر الندبي لم يكن مقصودا له اصلا و انما قصد امتثال الامر الوجوبي فلا يكون صحيحا من جهته ايضا و حينئذ ما معنى الصحة التي ادعاها المصنف؟.
[3] من ان الصوم قد ثبت بالادلة انه مستحب بل من اعظم المستحبات و كانما فهم السيد الخوئي من عبارة الماتن انه ينكر استحباب الصوم فاشكل عليه بهذا الاشكال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo