< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

36/11/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصوم, تكرر الكفارة وعدمه.

قال الماتن

مسألة 2 ) : تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين وأزيد من صوم له كفارة ، ولا تتكرر بتكرره في يوم واحد في غير الجماع وإن تخلل التكفير بين الموجبين أو اختلف جنس الموجب على الأقوى ، وإن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين ، بل الأحوط التكرار مطلقا ، وأما الجماع فالأحوط بل الأقوى تكريرها بتكرره)

وفرض المسألة ما اذا تكرر الموجب كما لو اكل مرتين أو جامع مرتين وهو تارة يكون في يومين فصاعداً واخرى يكون في يوم واحد.

 

الكلام يقع في مقامين

المقام الاول:

وهو يقع في تكرر الكفارة في يومين فصاعداً, ولا اشكال في ذلك, بل ادعي الاجماع في تكرر الكفارة عند تكرر موجبها في يومين فصاعداً, فإذا اكل في يومين عليه كفارتين واذا اكل في ثلاثة ايام فعليه ثلاث كفارات وهكذا, والظاهر إنه لا يحتاج إلى دليل خاص لأنه مقتضى اطلاق ما دل على وجوب الكفارة بالإفطار, مع وضوح أن الافطار يتحقق في كل يوم يتناول فيه المفطر, فموضوع الحكم في الكفارة هو الافطار وهو يصدق في كل من اليومين.

المقام الثاني:

والأقوال فيه كثيرة:

القول الاول: عدم تكرر الكفارة في اليوم الواحد مطلقاً, وحكي اختياره عن الشيخ الطوسي في المبسوط والخلاف وابن حمزة في الوسيلة والمحقق في كتبه والعلامة في المنتهى وصاحب الذخيرة من ا لمتأخرين.

القول الثاني: تكرر الكفارة مطلقاً واختاره المحقق الكركي في حواشي الشرائع _على ما قيل_ والشهيد الثاني في المسالك ونسب إلى السيد المرتضى في احدى الروايتين عنه.

القول الثالث: التفصيل بين ما اذا تغاير جنس المفطر أو وقع التكفير عن الاول قبل ارتكاب الثاني, فتتكرر الكفارة ولا تتكرر في ما عدا ذلك, واختاره العلامة في المختلف.

القول الرابع: التفصيل بين اختلاف جنس المفطر فتتكرر وبين اتحاده فلا تتكرر.

القول الخامس: التفصيل بين تخلل التكفير عن الاول فتتكرر بفعل الموجب ثانياً وبين عدم تخلل التكفير فلا تتكرر, وحكي عن الاسكافي.

القول السادس: التفصيل بين الجماع وغيره حيث تتكرر بتكرر الجماع دون غيره, وهو ظاهر المتن واختاره السيد الخوئي (قد).

والظاهر _والله العالم_ أن الصحيح من هذه الاقوال هو القول الاول (عدم تكرر الكفارة عند تكرر موجبها في اليوم الواحد مطلقاً).

والسر في ذلك أن موضوع وجوب الكفارة هو الافطار فلابد أن يصدق الافطار لكي يتحقق موضوع وجوب الكفارة وهو لا يتحقق في اليوم مرتين لأن ارتكاب المفطر الاول ينفي الصوم فلا يسمى الاتيان بالأكل أو الشرب أو ما شابه ذلك مفطراً عند الاتيان به مرة اخرى, وعليه فتجب الكفارة مرة واحدة لتحقق موضوعها مرة واحدة.

ومن هنا يظهر الفرق بين ارتكاب موجب الكفارة في يوم واحد وبين ارتكابه في يومين, فموضوع الكفارة يتحقق في اليوم الثاني عند ارتكاب موجب الكفارة, ولا يمنع منه فعل الموجب في اليوم الذي قبله.

واستدل على القول الثاني بدليلين:

الاول: اصالة عدم التداخل, فيقال أن المقام فيه تعدد للسبب وفعل للموجب مرتين ومقتضى عدم التداخل هو أن كل سبب يؤثر في مسبب فتتكرر الكفارة مرتين, ومما ذكرنا يتضح عدم تمامية هذا الوجه, فأن اصالة عدم التداخل تحتاج إلى تحقق سببين للتمسك بها, لكي يقال بأن كل سبب يؤثر في مسبب فيتعدد المسبب, والمفروض أن ذلك غير معقول في محل الكلام لأن موضوع وجوب الكفارة هو الافطار وهو لم يتكرر في اليوم الواحد, فلم يتكرر سببان في اليوم الواحد لكي يقال بأن الاصل التداخل أو عدمه.

الثاني: يفترض أن الكفارة ليست مترتبة على عنوان الافطار وإنما هي مترتبة على مخالفة وجوب الامساك, ويفترض بأن وجوب الامساك ثابت قبل الاكل الاول وبعده وان كان مفطراً, وحينئذ تتكرر المخالفة للامساك بالأكل الثاني فتجب عليه الكفارة.

وهذا الوجه يريد أن يحول موضوع وجوب الكفارة من كونه هو الافطار إلى مخالفة وجوب الامساك والدليل لا يساعد على ذلك, فالدليل يساعد على أن من افطر متعمداً وجب عليه عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكيناً, بل سيأتي أن الروايات التي رتبت الكفارة على نفس عناوين الافعال (من جامع, من اتى اهله) يقصد بها الافطار, وموضوع وجوب الكفارة هو الافطار وهو لا يتكرر في يوم واحد.

قد يناقش في هذا الكلام بأن ما ورد في اغلب الروايات من عنوان الافطار ورد في كلام السائل لا في كلام الامام عليه السلام, وحينئذ لا يمكن الاستفادة منه أن موضوع وجوب الكفارة هو عنوان الافطار.

نعم ورد في كلام الامام عليه السلام ترتيب الكفارة على عنوان الافطار في روايتين:

الرواية الاولى: المشرقي ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة ؟ فكتب : من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم )[1]

فالإفطار اخذ في كلام الامام عليه السلام.

الرواية الثانية: موثقة سماعة بن مهران (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن معتكف واقع أهله ؟ قال : عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا)[2]

ونفهم منها أن موضوع الكفارة فيها هو من افطر وقد ورد ذلك في كلام الامام عليه السلام.

فالمعترض يقول بأن عنوان الافطار لم يرد الا في هاتين الروايتين وأما اغلب[3] الروايات فأن الذي ورد فيها هو نفس الفعل ( من جامع مثلاً) وعليه فأن الكفارة تتكرر بتكرر الاكل في اليوم الواحد مثلاً.

ويضيف المعترض أن ما ورد في بعض الاخبار من تعليق الكفارة على عنوان الافطار فأن المقصود به هو الفعل كالأكل والجماع لأن المراد بالإفطار هو نقض الامساك بالأكل والشرب لغةً.

وكأنه يريد أن يقول بأن كل الروايات حتى ما ورد بعنوان الافطار فأن المقصود بها هو فعل الموجب وهو يتكرر في اليوم الواحد كما يتكرر في يومين فصاعداً, ومن هنا ذهبوا إلى القول الثاني.

بل من هنا نشأ التفصيل السادس الذي قواه السيد الخوئي حيث أنه لاحظ أن الجماع تتكرر فيه الكفارة على نفسه في الروايات (من جامع, من امنى, من لزق بأهله), وهو يتكرر في اليوم الواحد فتتكرر الكفارة, ولا توجد رواية في غير الجماع تقول مثلاً من كذب على الله ورسوله فعليه كذا وكذا, وإنما تدخل في عنوان من افطر فيكون الموضوع لوجوب الكفارة في غير الجماع هو الافطار, وحيث أن عنوان الافطار لا يتكرر في اليوم الواحد فلا تتكرر الكفارة.

ويجاب عن ذلك

أن التفصيل الذي ذهب إليه السيد الخوئي (قد) مبني على فهمه للروايات الكثيرة التي هي بمضمون (من جامع فعليه عتق رقبة مثلاً) أن الجماع وقع موضوعاً لوجوب الكفارة بما هو هو لا بما هو مفطر, ولا نوافقه على ذلك لعدم الخصوصية للجماع التي تكون موجبة لعده مما يترتب عليه الكفارة بقطع النظر عن الصوم والافطار, فمقتضى مناسبات الحكم والموضوع هو أن الجماع وقع موضوعاً بأعتباره مبطلاً للصوم ولذا لو وقع في الليل لا يكون موجباً للكفارة, مع أن الروايات تقول من جامع في شهر رمضان وهو يصدق حتى في الليل, فتعليق الكفارة في بعض الادلة على فعل المفطر (كالجماع وغيرة) يقصد بها التعليق عليه بأعتباره مفطراً وموجباً لبطلان الصوم فيكون الجماع موضوعاً لبطلان الصوم بما هو مفطر لا بما هو هو.

ويؤيد ما نقول أن نفس الروايات التي تذكر هذا المعنى تأمر بالقضاء وهو يترتب على ابطال الصوم

كما في رواية علي بن جعفر في كتابه (عن أخيه موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ، ما عليه ؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، فان لم يجد فليستغفر الله)[4]

ورواية سماعة (قال : سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا ؟ قال : عليه عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا ، أو صوم شهرين متتابعين ، وقضاء ذلك اليوم ، ومن أين له مثل ذلك اليوم)[5]

 


[3] ب8 ابواب ما يمسك عنه الصائم (ح3، ح5، ح8، ح9، ح12، ح13).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo