< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سید‌محمدجواد علوی‌بروجردی

98/07/13

بسم الله الرحمن الرحیم

والنتيجة : ثبت من جميع ما ذكرنا هنا، من الشواهد على ندبيّة تلک الأُمور، يظهر عدم تماميّة ما قاله صاحب «الحدائق» من الوجوب، حيث قال في كتابه من وجوب التأخّر في المتعدّد، والمساواة في الواحد، مستدلّاً على مختاره: (بتكاثر الأخبار واستفاضتها، بأنّه متى كان المأموم متّحداً، فموقفه عن يمين الإمام، والمتبادر منه المحاذاة، وإن كان أكثر فموقفهم خلفه.

ثمّ قال: وحينئذٍ فحكمهم بالاستحباب في كلّ من الموقفين، مع دلالة ظواهر الأخبار على الوجوب، من غير معارضٍ، سوى مجرّد الشهرة، تحكّمٌ محض)، انتهى محلّ الحاجة[1] .

 

وجه عدم تماميّة كلامه : أَنَّ المتأمِّل في أخبار (الجماعة) التي هي بنفسها مستحبّة، يُدرک أنّها ليست إِلاَّ لبيان ما هو الأحسن لهذا العمل في الرجال والنساء، والشاهد على ذلک ورود أخبار دالّة على أَنَّ الفضل في الجماعة اليوميّة يكون للصفوف الأمامية، وفي صلاة الجنازة عكس ذلک، وهكذا يكون الأمر في تكثّر أفراد الجماعة وعكسه، بأنَّ الفضل في مأموم واحدٍ يكون واقفاً بجنب الإمام على يمينه دون يساره أو خلفه، حيث يعلم أنّه لو قام في غير يمينه من جهة اليسار أو الخلف لم يرتكب الواقف حراماً، بل تكون جماعته صحيحة، ومشتملة على الثواب، لكنه من غيره أقلّ ممّن يراعى الآداب المطلوبة فيها.

وممّا يؤيّد ذلک : ورود بعض الروايات الدالّة على استحباب أن يحوّل الإمام المأموم الواحد الَّذي يصلِّي على يساره إلى يمينه :

منها: خبر أحمد بن محمّد، قال: «ذكر الحسين ـ يعني ابن سعيد ـ أنّه أمرَ مَن يسأله عن رجلٍ صلّى إلى جانب رجلٍ، فقام عن يساره، وهو لا يعلم، ثمّ علم وهو في صلاته، كيف يصنع؟ قال: يحوّله عن يمينه» .

 

ومنها : خبر الحسين بن يسار المدائني، أنّه سمع مَن يسأل الرِّضا(ع): «عن رجلٍ صلّى إلى جانب رجل، فقام عن يساره، وهو لا يعلم، ثمّ علم وهو في الصلاة، كيف يصنع؟ قال: يحوّله إلى يمينه (أو عن يمينه)»[2] .

حيث يظهر من هذين الخبرين أَنَّ تلبّسه بالصلاة كانت صحيحة، بحيث لو لم يحوّله الإمام إلى يمينه، ولو لجهله بالحكم، أو بالموضوع، أو غفلته عنه، كما هو الغالب، كانت صلاته ماضيّةً، ولم يكن آثِماً فى فعله، حيث يفيد ويؤيّد أنّ هذه الأُمور من الأُمور المستحبّة للجماعة، ولا تعدّ حكماً إلزاميّاً، ولذلک وقعت شهرة الفقهاء على ذلک، ولم يكن ذهابهم إلى ذلک تحكماً كما زعمه.

وأيضاً : من هذا القبيل ورود أخبارٍ تنفى البأس عن قيام الرجل في الصفّ وحده، معلّلاً بأنَّ الصفّ يبدو واحد بعد واحد :

منها: رواية موسى بن بكر، أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عا): «عن الرجل يقوم في الصفّ وحده؟ قال: لا بأس، إنّما يبدو الصفّ واحد بعد واحد»[3] .

 

ومنها : رواية أبي الصباح، قال: «سألت أبا عبداللّه(ع) عن الرجل يقوم في الصفّ وحده؟ فقال: لا بأس، إنّما يبدو واحد بعد واحد»[4] .

فإنّها بإطلاقها تعمّ الواحد الَّذي يدخل المسجد أوّل القوم، فيقف خلف الإمام في الصفّ الأوّل، ويصلّى بصلاته، وحيث تكون صلاته صحيحة مع كون الشخص واحداً، فيُشعر ذلک بأنّ مخالفة الآداب والمستحبّات المذكورة في هذه الأخبار، لا تضرّ بالصّلاة.

ومنها: رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، قال(ع): «قال أمير المؤمنين(ع) : قال رسول اللّه (ص): ولا تكوننّ في العثكل، قلت: وما العثكل؟ قال: أن تُصلِّي خلف الصفوف وحدک، فإن لم يمكن الدخول في الصفّ، قام حِذاء الإمام أجزأه، فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته»[5] .

 

حيث يظهر منها كراهة وقوف المأموم وحده خلف الصفوف، بل إذا لم يجد في الصفوف مكاناً، عليه أن يقف بحذاء الإمام لا خلفهم، حيث يدلّ ذلک على جواز القيام بحذاء الإمام مع تعدّد المؤمنين وضيق المكان، فجميع ذلک يؤيّد ما ذكرناه من عدم كونه من الأحكام الإلزاميّة في الجماعة، كما لا يخفى.في بيان شرطيّة عدم التقدّم واقعيّاً لا علميّاً

 


[1] و (3) الوسائل، الباب57 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4 و 2.
[2] الوسائل، الباب58 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1.
[3] مستند العروة الوثقى، ج5 / 227.
[4] الوسائل، الباب5 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 10.
[5] شرح الوجيز 2 / 185 وحكاه العَلّامَة الحلّي في تذكرة الفقهاء 4 / 264.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo