< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط الجزائي.

تقدم ان الشرط الجزائي باطل في الديون.

والديون تكون في موارد ثلاثة: في عقد القرض والبيع الآجل وفي السلم الذي يدخل فيه الاستصناع اذ لم نفرق بين السلم والاستصناع، فالشرط الجزائي في الديون لا يصح لانه ربا فقاعدة (المؤمنون عند شروطهم) التي تقول ان كل شرط صحيح استثنت هذا الشرط الذي يكون شرطا جزائيا في الديون فان الشرط الجزائي في الديون هو عين الربا.

هناك من العامة من ذهب الى جواز اشتراط التعويض باعتباره ليس شرطا جزائيا، لان الشرط الجزائي تقدير التعويض بينما هناك قالوا نحن نشترط التعويض عند تأخير الدين واشتراط التعويض ليس هو شرطا جزائا، او قد يحكم الحاكم بتعويض ضرر الدائن اذا تاخر المدين عن اداء دينه، فصدرت فتوى من بعض اهل العامة يدعون الى اشتراط التعويض عند تاخير الدين.

نحن ناقشنا هذه الدعوى وقلنا ان اشتراط التعويض عند التاخير هو عين الربا الجاهلي فان الربا تارة يكون من اول العقد وتارة لا يكون من اول العقد وهو الذي دلت عليه روايات (اتقضي ام تربي) فمرة اقول اقرضتك هذا المبلغ على ان ترجعه لي بكذا زيادة فهذا قرض ربوي وتارة ابيعك حنطة بمائة دينار الى ثلاثة اشهر فهنا لا يوجد ربا ولكن حين حلول الاجل اقول لك اتقضي ام تربي وسيتم تاجيل الصفقة وهذا هو عين الربا وهو الربا الجاهلي، وكذا فيما لو أخّر المدين دينه شهرا فلابد ان يعطي كذا مقدار فهذا هو الربا الجاهلي لانه نقد في مقابل التأجيل وهذه الفتوى التي صدرت من الصديق الضرير ايضا لانوافق عليها.

هناك من قال اان المدين الموسر المماطل الظالم كما في تعبير الرواية ( مطل الغني ظلم) هناك من قال نجعل عليه عقوبة مالية لكن لانعطيها الى الدائن بل نعطيها لجهة خيرية او لبيت مال المسلمين فكانه يريد ان يفر من الربا فيقول ان المدين الموسر المماطل اذا ماطل فنجعل عليه عقوبة مالية تصرف في وجوه البر او توضع في بيت مال المسلمين، فكأن الغرامة المالية اذا دفعت الى الدائن فتصير ربا، فلا تدفع الى الدائن كي لاتكون ربا فلا تصير من نصيب الطرف المضرور لانها عقوبىة جنائية على المدين الموسر المماطل فتذهب الى بيت مال المسلمين او تصرف في الوجوه الخيرية، وهذه الغرامة قد تكون مقطوعة وقد تكون بنسبة محددة على المبلغ والفترة، هذه العقوبة المالية على الموسر المماطل على ان تُصَرف في وجوه البر أو توضع في بيت مال المسلمين صدرت بجوازها فتوى بالأغلبية عن ندوة البركة للاقتصاد الاسلامي الثاني عشرة، وقد نصت هذه الفتوى فقالوا: يجوز اشتراط غرامة مقطوعة أو بنسبة محددة على المبلغ والفترة في حال تأخر حامل البطاقة (الائتمانية) عن السداد دون عذر مشروع وذلك على اساس صرف هذه الغرامة في وجوه البر ولايتملكها مستحق المبلغ، ويستأنس لذلك بالقول بالتعزير بالمال عند بعض الفقهاء وبما ذهب اليه بعض المالكية من صحة الزام المقترض بالتصدق ان تاخر عن السداد وتكون المطالبة بذلك عند الامتناع على اساس دعوى الحسبة لصالح جهة البر الملتزم للتصدق عليها، وتقول هذه القرارات الصادرة عن ندوة البركة ويرى احد الفقهاء المشاركين (عبد الله بن منيع) جواز اشتراط الغرامة على ان يستحقها الدائن ويتم تحديد هذه الغرامة عن طريق القضاء او التحكيم، ويرى آخر (الضرير) منع الاشتراط ولكن يستحق الدائن التعويض ويتم تحديد مقداره عن طريق التحكيم بالاستأناس بمستوى الربح في المؤسسات الاسلامية، فالقرار الصادر عن ندوة البركة قرار بالاغلبية وهي الفتوى الاولى والحكم على المدين المماطل الموسر بغرامة مالية تصرف للفقراء او في وجوه البر، وفتوى ثانية من شخص واحد وهي جواز اشتراط الغرامة على ان يستحقها الدائن وهذا ليس ربا بل هو حكم جزائي وقضائي فهو غرامة، واما الضرير فيقول نشترط على المدين اذا تاخر ان يعوض الدائن عن الضرر الذي اصابه ويكون تقدير التعويض عن طريق مستوى الربح في المؤسسات الاسلامية مثلاً.

نحن نناقش هذه الفتوى فانه قد تقدم بطلان القولين الاخيرين وهما قول عبد الله بن منيع لأن كلامه يؤدي الى الربا، وفتوى الضرير الذي يقول نشترط التعويض فهو باطل لاننا قلنا ان الدين عند تاخيره لايكون نفعه مضموناً، فتقدم منّا بطلان الفتويين الاخيرين والآن نتحاسب مع الفتوى التي تقول يشترط على المدين اذا تاخر عن سداد الدين بلا عذر وهو موسر ان يدفع مقدارا الى الفقراء في وجوه البر أو بيت مال المسلمين فنناقش هذه الفتوى التي صدرت من ندوة البركة للاقتصاد الاسلامي الثاني عشرة.

فنناقش هذه الفتوى ونقول:

اولاً: ان ربا القرض الذي منعت منه المذاهب الاسلامية باجمعها يتمثل بهذه القاعدة المجمع عليها وهي كل قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا، وهذ الجملة فيها رواية ضعيفة لكنها مورد قبول لادلة اخرى صحيحة مؤداها مؤدى هذه الجملة كل قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا سواء كان هذا النفع للمقرض قد ذكر في نفس العقد كما اقول اقرضتك الف دينار على ان تدفع لي الف وخمسمائة بعد شهرين، او حصل هذا النفع بعد ان لم يتمكن المقترض من السداد نتيجة عدم تمكنه كما وردت بذلك روايات اتقضي ام تربي، فشرط الزيادة على المال المقترض للمقرض هو الربا المحرم ولا يصح هكذا شرط لان من شروط صحة الشرط ان لا يكون محرما وشرط الزيادة في القرض هو الربا المحرم.

ثانياً: قالو ان الزيادة لاتكون للمقرض بل لجهة خيرية وفي قرارهم ان تكون الغرامة لوجوه البر لا يغير من تلك القاعدة فان القاعدة منطبقة على المورد حتى لو اخذنا المال من المقترض وصرفناه في وجوه البر فالقاعدة الاولية منطبقة على هذا المورد لأن هذا في الحقيقة يرجع الى فائدة المقرض لان المقرض سوف يحصل على ثواب القرض لأن هذه الغرامة قد حصلت بسبب قرضه وبسبب شرطه، لكنها تعطى لغيره بحيث يكون ثوابها له فالمقرض حصل على ثواب ماصرف في وجوه البر ولامعنى لكون الثواب راجعا لغير المقرض فهذا القرض جرّ نفعا له وكل قرض جرّ نفعا فهو ربا لكن هذا النفع ليس ماديّا بل هو ثواب ونفع حكمي.

ثالثاً: اذا نظرنا الى هذه الفتوى فان المدين قد دفع المال المقترض وزيادة فاذا نظرت الى المدين تراه قد اعطى اكثر مما اخذ وهو الربا، فالمهم ان المدين هنا قد حُمّل اعباء اضافية على القرض وهذا هو معنى الربا.

ثم انهم تمسكوا بدليل (المؤمنون عند شروطهم) وهذا شرط ان يدفع المدين الموسر الى الفقراء مبلغا من المال فلو كان دليلهم (المؤمنون عند شروطهم) وهذا شرط لتعويض الضرر الناشئ من تاخير السداد او غرامة تحكم بها المحكمة لتعويض الضرر فيرده ما جاء في ذيل الحديث (الاّ شرطاً أحل حراما) فهذا الشرط عبارة عن اخذ المقرض قرضه مع الزيادة وهو الربا وهذا تحليل للحرام، فما قاله مصطفى الزرقا: مبدأ تعوض الدائن عن ضرره نتيجة لتأخر المدين عن وفاء الدين في موعده مبدأ مقبول فقيها ولايوجد فيه نصوص في الشريعة واصولها ومقاصدها العامة، ولايتنافى مع مبدأ التعويض بل بالعكس يوجد ما يؤيده ويوجبه واستحقاق التعويض على الدين مشروط بان لا يكون له معذرة شرعية في هذا التاخير بل يكون مليئاً مماطلا يستحق الوصف بانه ظالم كالغاصب، فهذا الكلام باطل ويرده ان هذا التعويض المشترط يرد الى ارجاع المال المقترض مع الزيادة وهو ربا وقد استثني من حديث (المؤمنون عند شروطهم) لان الذيل (الاّ شرطا أحل حراماً) على ان المال المقترض وهو الدين يفترق عن العين المغصوبة فالفرق واضح بين الدين الموجود في الذمة والعين الموجودة في الخارج التي لها منافع معلومة، فلا يصح ان يقال ان الدين له منفعة متقومة شرعاً فارجاع العين مع الزيادة المشترطة بأيّ صفة هو الربا الصريح والحديث الذي ذكر عقوبة المماطل نلتزم به لكن لا بمعنى ان نلتزم به مع تحليل الحرام مثل (ليّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) فنلتزم به لا بمعنى تحليل الحرام، ولذا يصح القول ان ظلم الغني المماطل غير قابل للاستدراك بطريق التعويضات التي تجبر الدائن فقد سعت الشريعة لدرئ هذا الظلم بواسطة العقوبات الزواجر وهو ما عناه الحديث (ليّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) حيث فسرت العقوبة بالحبس والتعزيز والضرب أو بالحجر عليه، اما اعطاء مال الى المقرض او صرفه في وجوه البر فهو عين الربا فلا يشترط التعويض او الغرامة عن تاخير السداد في الديون، وهذا هو الصحيح الذي ذهب اليه جمهور العامة.

وهل يتمكن فرد ممن ذهب الى جواز التعويض المالي عند تأخير سداد الديون ان ينقل لنا قضية حكم بها فقيه من عصر الرسول الى عصر الخلافة العثمانية على الرغم من كثرة حالات المماطلة والتأخير وكثرة الاحكام الصادرة بالتعزيز والحجر ولكن لم يحكم بالغرامة المالية أو التعويض المالي.

والعجيب ان بعض الباحثين يرى ان انكار قكرة الزيادة المالية على المقترض في حالة تاخيره عن دفع الدين هو تشجيع له على التهاون في سداد الديون، ولكن نرى ان الشارع المقدس قد جعل الحد والتعزيز والحجر تاديب وحث على التعجيل في الدفع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo