< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/02/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط الجزائي.

قلنا ان عند الفقه السني مسلك ذهب اليه جمع من علمائهم يجوز الشرط الجزائي في الديون اذا تاخر تسديدها في الاجل وهو عين الربا، ومستند هذا القول هو ان المدين قد فوّت بتاخيره مع كونه مماطلا منفعة محققة أو محتملة بسبب المماطلة على الدائن فيجوز ان يحكم عليه الحاكم او نشترط عليه في متن العقد ان المدين اذا فوت منفعة بسبب المماطلة وهو غني فلابد ان يعطي كذا من المال، وهذا هو المستند لهم في هذا القول وهو كون المدين فوت على الدائن المنفعة فيعاقب المدين لانه مماطل ومتعدي.

وقد اجبنا باجوبة متعددة، والخلاصة هي: على فرض صحة هذا القول (بان يكون المدين قد فوت منفعة محققة او محتملة) فقد يكون التأخيره بنفع الدائن كما اذا كان الدولار منخفظا ولم يتم التسليم وبعد فترة ارتفع الدولار وعندها تم التسليم فهنا التاخير بنفع الدائن، فلو سلمنا وفرضنا ان التاخير بضرر الدائن لكننا نقول ان فوات منفعة الديون لا تضمن لان الضمان هنا يكون ربا والربا حرام في الشريعة الاسلامية على وجه القطع.

اذاً مستند هذا القول في جواز الشرط الجزائي لمن يتأخر عن سداد الديون هو كون المدين فوّت على الدائن منفعة محققة أو محتملة فهو متعدي فيضمن، وكما قلنا فان هذا المستند ليس صحيحا على الاطلاق لان التاخير قد ينفع الدائن، ولو سلمنا فان تأخير منفعة الديون لايضمن في الشريعة الاسلامية وهذا هو الفرق بين الشريعة الاسلامية وبين الرأسمالية في قضية الديون فهم يعتقدون ان المال يدرّ مالاً ونحن لا نقول بهذا دائما، اذاً تفويت منفعةالديون لا يضمن ولا يصح للدائن أن ياخذ مقابل منفعة الديون التي قدمها للمدين بنفسه أو اخّرها المدين بمطله فلا يجوز ان يأخذ مقابل هذه الديون منفعة فهو ربا لأنه اخذ للمال مقابل القرض وهذا هو الربا الجاهلي.

فنقول لهذا المسلك السني الذي يمثله مصطفى الزرقا والصديق الضرير وعبد الله بن منيع نقول لهم هل وجدتم في الفقه الاسلامي فقيها اجاز اشتراط زيادة على الدين المتأخر او فرض تعويضا ماليا على غاصب أو سارق النقود، فلايوجد فقيه في تاريخ الفقه الاسلامي يجيز اخذ الزيادة على الدين المتاخر او يفرض تعويضا ماليا على غاصب النقود او سارقها، اذاً كلامكم هذا يجّوز اخذ الزيادة على الدين المتاخر فتارة يسميها غرامة وتارة تعويض وتارة حكم الحاكم ولكن النتيجة هي اخذ الزيادة على القرض وهو عين الربا، الى هنا ابطلنا هذا المسلك.

عبد الله بن منيع ينقل عن الصديق الضرير انه اجاز شرط التعويض عند تاخر المدين من سداد الديون وينقل عنه فتوى في ذلك، وسنذكر الفتوى لنرى هل ان استفادة عبد الله بن منيع صحيحة، يقول الصديق الضرير: يجوز شرعا الزام المدين المماطل في الاداء وهو قادر على الوفاء بتعويض الدائن عن ضرره الناشئ عن تاخر المدين في الوفاء دون عذر مشروع لان مثل هذا المدين ظالم وقد قال فية الرسول (ص) مطل الغني ظلم، فيكون في حالة الغاصب التي قرر الفقهاء فيها تضمين الغاصب منافع الاعيان المغصوبة علاوة على رد الاصل، وهذه هي فتوى الصديق الضرير العالم السوداني، وقد جاء بهذه الفتوى الصديق الضرير لاثبات جواز التعويض على تأخير الدين، وقد استفاد عبد الله بن منيع من هذه الفتوى ما اراده هو وهو صحة الشرط الجزائي في تاخير الدين.

نحن نقول اذا كان عبد الله بن منيع قد فهم من كلام الصديق الضرير جواز الشرط الجزائي على المدين المماطل الموسر فهذا اشتباه من عبد الله بن منيع لان هذا يناقض ما اختاره الصديق الضرير لان الصديق الضرير في الشرط الجزائي في تاخير الدين يمنعه اشد المنع فكيف يستفيد من هذه الفتوى انه اجاز الشرط الجزائي في تأخير سداد الدين، قال الصديق الضرير في بحثه في الشرط الجزائي تحت عنوان ضابط العقود التي يجوز فيها الشرط الجزائي والعقود التي لا يجوز فيها الشرط الجزائي، قال: يجوز اشتراط الشرط الجزائي في جميع العقود ماعدا العقود التي يكون الالتزام فيها دينا، والعقود التي يكون الالتزام فيها دينا ثلاثة: اولا القرض، ثانيا البيع بثمن مؤجل، ثالثا عقد السلم فان المثمن مؤجل، قال لا يجوز الشرط الجزائي في تاخر الديون والديون قرض والبيع نسيئة باجل وعقد السلم فان المثمن دين مؤجل لا يجوز لان هذا الشرط يؤدي في الحالات الثلاث الى الربا، فكيف نقول ان هذه الفتوى اجازت الشرط الجزائي في تاخير الدين فانه يصرح بان الشرط الجزائي في تاخير الدين لا يجوز، وايضا قال الصديق الضرير بشان اقتراح مشروع بشان الشرط الجزائي قال: يجوز ان يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود ما عدا العقود التي يكون الالتزام فيها دينا، نعم اذا كان المقصود من عبارة الصديق الضرير هو الزام المحكمة المدين بالتعويض عن الضرر الذي اصاب الدائن نتيجة تخلف المدين عن السداد فاذا كان المراد من كلام الصديق الضرير ذلك فهذا هو نفس دليل عبد الله بن منيع الذي ذكره وناقشناه بانه عين الربا لانه اخذ الدائن مقابل دينه شيئا زائدا (اتقضي ام تربي).

واما فتوى الصديق الضرير، فيقول: يجوز ان يتضمن عقد البيع الذي يكون فيه الثمن مؤجلا اي نسيئة، او عقد القرض نصا يلزم المدين بالتعويض، وهذه الفتوى صدرت منه في سنين متقدمة، فهذه الفتوى غير مرتبطة بالشرط الجزائي فان الشرط الجزائي هو تقدير تعويض الضرر مع ان هذا يقول: نصا يلزم المدين بالتعويض ولا يوجد هنا تقدير فاذا قدرنا التعويض فيكون شرطا جزائيا والاّ فليس هو شرط جزائي وهو الذي ذكره الفقه الغربي وهو تقدير تعويض الضرر، اما اذا لم نقدر التعويض فهذا ليس شرطا جزائيا فلا يكون في كلام الصديق الضرير تناقض والفتوى ليست في الشرط الجزائي، فكأن الصديق الضرير في هذه الفتوى يفرق في ان يشترط على العميل وهو المدين ان يدفع للدائن مبلغا محددا او نسبة من الدين عند تاخر المدين عن الوفاء وهذا لا يجوزه لانه ربا، لكن اذا اشترطنا على المدين عند تاخره على الدائن الذي تضرر هذا لاباس به فهو تعويض وليس شرطا جزائيا، واستدل بذلك على ان المدين ظالم وان مطل الغني ظلم واستند الى لا ضرر ولا ضرار واستند ثالثا الى ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته فاستدل بهذه الادلة الثلاثة فهذه الفتوى ليست في الشرط الجزائي وثانيا ان دليلها لاضرر ولا ضرار ومطل الغني ظلم فكانه متعدي وليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته.

فنقول في مناقشة أدلته التي ساقها:

كل الاحاديث التي ذكرها لاربط لها، يجوز للمدن ان يشترط عليه او يجوز للدائن ان يشترط على المدين...الخ، فهذه الفتوى دليلها امور ليس لها ربط بهذه الفتوى:

اما حديث (لا ضرر) فغاية ما يستفاد منه رفع الحكم الضرري في الشريعة اذا كان تشريعه غير ضرري فلو صار الوضوء ضرريا فيرتفع وجوب الوضوء وهكذا فان (لاضرر) لايثبت حكما بل ينفيه اذا اصبح ضرريا وكان اصله غير ضرري، ولذا قال الفقهاء في الغبن بان المغبون له خيار الفسخ باعتبار (لاضرر ولاضرار) فهنا اشكل الفقهاء بان لا ضرر ولا ضرار هو نافي لامثبت للخيار وخيار الغبن دليله السيرة العقلائية على ان المشتري لا يشتري ازيد من القيمة السوقية وكذا البائع لايبيع باكثر من الثمن السوقي.

واما حديث (مطل الغني ظلم) فهو يثبت فسق المماطل ولكن لا معنى لان يجب على الفاسق والظالم ان يدفع المال لمن ظلمه.

واما حديث (ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) فقد فسره العلماء بجواز تشهيره بانه غير ملتزم بالعقود والمراد بالعقوبة يعني تعزيره، واما تفسير العقوبة بالعقوبة المالية فهو عين الربا الحرام وهو تحليل الحرام كما لا يجوز تفسير حل العرض بسبّه وشتمه فان هذا من المحرم والقول بهذا هو تحليل للحرام وهذا لايجوز.

واما تشبيه الصديق الضرير للمدين بالغاصب للاعيان فهو تشبيه باطل لان غاصب العين يجب عليه ارجاع العين ومنافعها لان منافع العين الخارجية المغصوبة مضمونة بخلاف منافع الدين فانها غير مضمونة فمنافع الكلي في الذمة غير مضمونة، والربا المحرم هو ان ياخذ الدائن مقابل الأجل شيئا من المال سواء كان بالشرط فيه او كما يقال بتعويض الدائن، في حين ان الشارع جعل للماطل علاجا وهو تعزيره واشهاره بين الناس لا غير، على اننا نشكك في تضرر المدين بتأخير التسديد، نعم المسلّم هو ان التأخير في تسديد الدين يقتضي عدم تمكن الدائن من التصرف في ماله.

فهذه الفتوى التي ذكرها الصديق الضرير والتي هي تختلف عن الشرط الجزائي هذه الفتوى دليلها باطل فنبقى نُصّر على ان الشرط الجزائي في الديون باطل وكذا حكم الحاكم للمدين ايضا باطل والتعويض لا يجوز وان لم يكن شرطا جزائيا لان هذا التعويض هو الربا وليس عليه دليل صحيح.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo