< قائمة الدروس

الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط الجزائي.

تقدم ان قلنا ان هناك فرق كبير بين العربون وبين الشرط الجزائي، فالعربون كما قلنا ان المشتري للسلعة يدفع مقدمة بعد عقد الشراء، فيقول اذا اردتُ اتمام هذا العقد فهذه المقدمة من الثمن واكمل الثمن، واذا اردت فسخ العقد فالمقدم لك.

في العربون هناك خلاف هل ان هذا العربون جائز او باطل، فبناء على جوازه فالعربون يدفعه المشتري الى البائع ان اراد اتمام عمليات البيع فيكون العربون من الثمن وان اراد ابطال العقد فالعربون يكون للبائع.

قلنا ان هيئة كبار العلماء في العربية السعودية قالوا ان الشرط الجزائي هو كالعربون فصحته كصحة العربون، وقلنا هذا خطأ فضيع لان العربون يختلف عن الشرط الجزائي.

فرق العربون عن الشرط الجزائي

اولا: الشرط الجزائي لا يستحقه المشترط الاّ ان يكون خطأ من المدين وضرر على المشترط وعلاقة بين الخطأ والضرر فحينئذ يستحقه المشترط، بينما العربون يستحقه البائع ولو لم يكن خطأ من المشتري بل ولو لم يكن ضرر.

ثانيا: الشرط الجزائي كما قلنا في تعريفه من قبل واضعية ان يتدخل القاضي في زيادته او تنقيصه.

فاذا قلنا بهذه الفروق حينئذ صحة العربون لا تستلزم صحة الشرط الجزائي ، وقد تقدم ذلك.

قال الاستاذ مصطفى الزرقا الذي هو من علماء العامة ايضا يصر على هذا المطلب الذي قالته هيئة كبار العلماء، يقول: ان طريقة العربون هي اساس لطريقة التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطيل والانتظار، ففي الشرط الجزائي عندما يتعطل في تسليم السلعة فانا انتظر وقد عطلني عن الاستفادة فهو تعويض عن ضرري الحاصل عن التعطيل والانتظار، فيقول العربون اساس الشرط الجزائي لان الشرط الجزائي ضرر حصل على المشتري لان البائع لم يسلمه البضاعة في وقتها، فالضرر على المشتري لانتظاره وتعطله عن الاستفادة من المبيع، وذلك لتخلف البائع عن التسليم في وقته والعربون اساس هذا، ثم ياتي بدليل ويذكر رواية هي في العربون وقد رواها البخاري في صحيحه في باب ما يجوز من الشروط ، فقال: وقال ابن عون عن ابن سيرين، قال رجل لكريّه ادخل ركابك اي شد على دوابك رحالها، فان لم ارحل معك يوم كذا فلك مائة درهم فلم يخرج ،فقال شريح من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه.

الزرقا يقول تعليقا على كلام شريح: وهذا النوع من الاشتراط المروي عن القاضي شريح في ضمان التعويض عن التعطّل والانتظار ما يسمى في الفقه الاجنبي الحديث بالشرط الجزائي، والعربون هو الشرط الجزائي، قاله في المدخل الفقهي العام، ويقول: واوردت اللجنة التي اعدت البحث لهيئة كبار العلماء هذا النص وقالت هذه المسالة صحريحة في انها من انواع الشروط الجزائية الذي يقوله الفقه الاجنبي الحديث.

في الجواب نقول:

اولاً: هذا الكلام باطل لان العربون انتم تقولون بانه يصح لمن اجاز العربون حتى اذا لم يكن تعطيل وانتظار، مثلا اذا حصل بيع وحصل ايجاب وقبول واعطيتك عربون وبعدها بساعة فسخ المشتري فمع هذا يستحق العربون، فالعربون يستحقه البائع حتى وان لم يكن انتظار، بينما الشرط الجزائي لابد من الانتظار والخطأ من المشترط عليه ويتحقق ضرر على المشترط، فهذا فرق بين العربون والشرط الجزائي.

ثانياً: ان العربون صحيح لمن اجاز وان لم يكن ضرر يحتاج الى التعويض، بينما الشرط الجزائي مشروط بالضرر فهو تقدير للضرر الحاصل، بينما العربون يستحقه البائع وان لم يكن هناك ضرر عليه بل له نفع.

ثالثاً: العربون الوارد (ادخل ركابك فان لم ارحل معك غدا لك مائة درهم) هذا الشرط لايجوز تخفيضه، بينما الشرط الجزائي يجوز تخفيضه.

رابعاً: هذا الشرط في هذه الرواية وهو العربون هو عدول عن الاجارة مقابل مال، فهذه الرواية عدول عن الاجارة مقابل مال، فهو اعمال الخيار من قبل المستاجر فيرد العقد وابطال الاجارة مقابل شيئ من المال، بينما الشرط الجزائي تقدير عن تعويض ضرر حاصل نتيجة الاخلال بالشرط، فالعربون اعمال للخيار من قبل المشتري في مقابل مال ولاربط له بالضرر.

خامساً: لماذا تجعلون فتوى شريح مستندا للحكم الشرعي وانتم تقولون نحن اهل السنة، فهل كلام شريح هو سنّة رسول الله (صلى الله عليه واله). فما يقال بصحة الشرط الجزائي ودليله العربون فان هذا الكلام باطل مائة بالمائة.

نرجع الى الشرط الجزائي ونقول: عندنا دليل (اوفوا بالعقود) و ( المسلمون عند شروطهم) فهنا اذا كان هناك عقد او مصدر آخر للالتزام غير العقد كالتشريع كوجوب النفقة على الزوجة، او ان العقد اوجب على المشتري ان يسلم البضاعة في وقت معين او القانون فهذه مصادر للالتزام.

فهنا اذا حصل ضرر من تخلف احد المتعاقدين او من تخلف من لم يلتزم بالقانون الشرعي، فأن الزوج اذا لم ينفق على زوجته وحصل ضرر على الزوجة بسبب عدم النفقة فهنا يجب على الزوج الضمان، فلو اشترطنا تقدير الضرر بمائة دينار فهو الشرط الجزائي.

وان لم نشترط تقدير الضرر فيجب على مسبب الضرر ان يرفع الضرر (اوفوا بالعقود) و ( المسلمون عند شروطهم) يقول كل شرط نافذ اذا اوجب التخلف عن الشرط ضرر على المشترط، هذا الضرر ان لم يقدر فيجب على المشترط عليه رفعه وان كان مقدر يجب ان يعطيه.

وثالثا نقول ان (اوفوا بالعقود) و ( المسلمون عند شروطهم) تقول يجب الوفاء بالشروط في ضمن العقد وان لم يوجب التخلف عنها ضررا على، فالمتخلف حتى لو لم يحدث ضررا فيجب عليه الوفاء بالشرط .

الى هنا عرفنا الدليل، وليس الدليل ماذكره القوم من ان الشرط الجزائي صحيح لانه شبيه العربون.

ثم انهم ذهبوا الى بطلان الشرط الجزائي اذا كان مبالغا فيه، واذا استفدنا من الشرط التهديد فهو باطل، هنا ذكر السمهوري ان ذلك عقوبة يفرضها الدائن على المدين فهو باطل، فيبطل الشرط الجزائي الذي هو شرط تهديدي ويأتي تقدير القاضي، ثم ذكر السمهوري تبريراً آخر للبطلان، فقال: ان الشرط الجزائي هو تقدير التعويض المستحق فاذا ظهر ان الضرر لم يكن بالمقدار الذي ظنه الطرفان، فهنا نفهم ان التقدير كان مبالغا فيه أي وقع الطرفان في غلط، أو وقع احدهما تحت الضغط فقبل شرطا يعلم انه مجحف اي المدين وهو البائع يعلم ان هذا الشرط الجزائي مجحف الاّ انه وقع تحت تأثير المشترط، ففي كلا الحالتين يقول السمهوري الواجب تخفيض الشرط الجزائي اي بطل الشرط الجزائي، وهذا يفترق عن الاول فذاك يقول اننا علمنا ان الشرط الجزائي مبالغ فيه وعلمنا انه شرط تهديدي وعقوبة، اما هذا فيقول ان الشرط الجزائي وفق الاعتبارات ان الضرر لم يكن بالمقدار المتفق عليه فالتقدير مبالغ فيه اي يوجد احد امرين، اما وجود غلط وقع فيه الطرفين وهو خطأ التقدير او وجود ضغط على احدهما يعلم انه مجحف فيقول ان هذا يوجب بطلان الشرط الجزائي فيرجع الى القاضي لتقدير الضرر بالمتعارف.

هنا بالنسبة الى تصورات الفقه الاسلامي نقول هذا الذي تقدم من بطلان الشرط الجزائي وصور البطلان بتصويرين هذا لايصح بصورة مطلقة حسب منطق الفقه الاسلامي، فمنطق الفقه الاسلامي صحح كل شرط مالم يخالف الكتاب والسنة (المسلمون عند شروطهم) بشرط ان تكون هذه الشروط فيها شروط الصحة، فلو كان الشرط مبالغ فيه وقبله المتعاقدان (المسلمون عند شروطهم) وهذا لم يخالف الكتاب والسنة، او قد لا يكون ضرر اصلا ومع هذا فله ان يأخذ الشرط الجزائي، فالكل يريد الربح كما يعبّر عنه (التجارات غارات المؤمنين) فأحصل على الربح بالشرط المشروع، وهو ليس سرقة ولااعتداء ولاظلم، فحسب منطق الفقه الاسلامي هو تصحيح كل شرط لم يخالف الكتاب والسنة بشرط صحة الشرط.

نعم اذا كان هذا الشرط الموجود في هذا العقد يكشف منه ان احد المتعاقدين سفيه لقبوله للشرط السفهي والسفيه عقده باطل، فتارة الشرط سفاهتي وتارة احد المتعاقدين سفيه فيبطل العقد اذا كان احد المتعاقدين سفيها لا ما اذا كان الشرط سفاهتيا، فيجب عليه ان يفي بالعقد بحذافيره والشروط بحذافيرها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo