< قائمة الدروس

بحث الفقه - الاستاذ حسن الجواهري

العقود

31/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: عقود الاذعان.

قلنا ان المجمع الفقهي الاسلامي في جدة طرح عنوان علاقة عقود الاذعان بالبيع الجبري من حيث فقدان الاختيار، وقد اشكلنا على هذا العنوان بأن البيع الجبري الذي لايحصل معه قصد الى البيع لايتحقق فيه البيع، اما عقود الاذعان فيوجد قصد الى العقد، اذاً ينبغي ان نغير هذا العنوان ونقول ماهي علاقة عقود الاذعان بعقود الاكراه بالبيع الاكراهي ماهي علاقة عقود الاذعان بالبيع الاكراهي، لان البيع اذا كان جبريا والجاء بحيث يكون القصد لا يتحقق معنى العقد، فان معنى العقد يتحقق بالقصد اليه فاذا كان العقد مجبرا عليه بحيث لا قصد له فلايتحقق معنى العقد فالعنوان ينبغي ان يغير فنقول ماهي علاقة عقود الاذعان بالبيع الاكراهي من حيث فقدان الاختيار لان الاختيار الذي يبحث عنه في العقود هو عبارة عن صدور الفعل من العاقد عن الرضا وطيب النفس مقابل الكراهة وعدم الرضا فاذا صدر العقد مع الرضا وطيب النفس أصبح العقد صحيحا عند جميع المذاهب والاّ فالعقد باطلا عند جميع المذاهب

نحن الامامية عادتاً نتكلم في عقد المكره في كتاب الطلاق ولعله لورود روايات كثيرة على بطلان عقدالمكره والاّ فلا اختصاص للعقد الاكراهي بالطلاق، ولكن عادتا يذكر بحث الاكراه في كتاب الطلاق، وادلتنا على بطلان عقد المكره متشعبة.

أدلة بطلان عقد المكره

فمن الادلة ما لم يذكر فيه لفظ الاكراه ،ومنها ما ذكر فيها لفظ الاكراه

مالم يذكر فيه لفظ الاكراه:

فقد استدل العلماء على بطلان عقد المكره بالآية القرانية (لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل الاّ ان تكون تجارة عن تراض) فان باء (بالباطل) قد قابلها (الاّ ان تكون تجارة عن تراض) هذه الباء ومقابلها تجعل الآية ظاهرة أنها بصدد بيان السبب الصحيح من المعاملات من السبب الفاسد، (لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل) فالباطل هو سبب المعاملات الفاسدة، (الاّ ان تكون تجارة عن تراض) وهذا سبب المعاملات الصحيحة، وهنا كلمة (لاتاكلوا) أي لا تتملكوا أموال الناس من غير استحقاق شرعي وهو الباطل.

وأيضاً استدلوا على بطلان عقد المكره بالحديث الموثق عن الامام الصادق (عليه السلام) يقول: (من كانت عنده امانه فاليؤدها الى من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم إمرء مسلم ولا ماله الاّ بطيبة نفس منه) فالعقد الاكراهي ليس فيه طيبة نفس فيكون باطلا، هذا أيضا دليل على بطلان العقود الاكراهية .

وايضا هناك أدلة أو مؤيدات على بطلان العقد الاكراهي كما ورد في خطبة حجة الوداع (أيها الناس إنما المؤمنون اخوة ولا يحل لمؤمن مال اخيه الاّ عن طيب نفس منه) لا يحل فالعقد الاكراهي ليس فيه طيب نفس فهو باطل وعلى البطلان تترتب الحرمة على الغير مع بطلان العقد.

هذه بعض الادلة التي دلت على بطلان عقد المكره من دون أن يأتي لفظ الاكراه فيها .

ماذكر فيه لفظ الاكراه:

وهناك أدلة دلت على بطلان عقد المكره بلفظ الاكراه، مثل هذه الرواية التي وردت في طلاق وعتاق المكره، وهي حسنة زرارة أو صحيحة زرارة يعبر عنها حسنة لوجود ابراهيم بن هاشم الذي هو ممدوح بمدح لم يصل الى حد الوثاقة، وبعضهم يقول ان ابراهيم بن هاشم فوق حد المدح والوثاقة لا يناسب ان يقال انه ثقة، فعلى هذا المسلك تكون الرواية صحيحة، وعلى مسلك من يقول ان ابراهيم بن هاشم لم يوثق وقد مدح فتكون الرواية حسنة، قال سألته عن طلاق المكره وعتقه، فقال: (ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه بعتق).

وأيضا ما عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن ابي عبد الله ( عليه السلام) قال سمعته يقول: (لا يجوز الطلاق في استكراه ولا يجوز عتق في استكراه وانما الطلاق ما اريد به الطلاق من غير استكراه ولا اضطرار).

واستدل علمائنا على بطلان عقد المكره بحديث الرفع الذي يكون صحيحاً في بعض طرقه، وهو ما رواه محمد بن ابي نصر وصفوان جميعاً عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ايلزمه ذالك الحلف؟، فقال: (لا)، ثم يطبق كلام رسول الله صلى الله عليه واله على ذلك، (قال رسول الله: وضع عن امتي ما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما اخطئوا) هذه الرواية في الباب السادس عشر من كتاب الايمان .

فهذه ادلة تدل على بطلان عقد المكره بلفظ الاكراه.

هنا نريد ان نقول ان ادلة بطلان عقد المكره ليس كلها فيها لفظ الاكراه بل بعضها دلت على بطلان العقد الذي ليس فيه رضا ولا طيب نفس، وبعضها دلت على بطلان عقد المكره، النسبة بين عنوان الاكراه وبين عنوان عدم طيب النفس هي العموم المطلق، بمعنى انه كلما تحقق الاكراه تحقق عدم طيب النفس، اما اذا تحقق عدم طيب النفس فلا يلزم تحقق الاكراه فيكون عدم طيب النفي اعم من الاكراه، كما اذا توهم انسان وجود مكره له على بيع داره فباع داره لذلك التوهم، ثم تبين عدم وجود المكره فالاكراه غير متحقق لأن الاكراه لا يتحقق خارجاً الاّ بوجود مكره لي على البيع يتوعدني بالضرر اذا لم ابيع، و هنا لايوجد مكره ولكن لا يوجد رضا وطيب نفس في هذه المعاملة، فاذا كانت الأدلة على بطلان المعاملة التي ليس فيها رضا وطيب نفس فالمعاملة باطلة وان لم يكن هناك مكره، لعدم وجود الرضا وطيب النفس، اذاً المعاملة الاكراهية التي تكون باطلة هي المعاملة الفاقدة للرضا المعاملي لعدم وجود رضا معاملي او عدم وجود طيب نفس، اذاً الاكراه الذي يبطل فيه العقد لعدم وجود الرضا وطيب النفس هذا متى يتحقق، فالاكراه لا يتحقق الا بوجود امور متعددة فالاكراه مبطل للعقد لانه لا يوجد الرضا وطيب النفس

تحقق الاكراه

لكن متى يتحقق الاكراه؟، الاكراه يتحقق بامور ، هي:

اولاً: يتحقق الاكراه بوجود مكره على الفعل يعلم به المكره.

ثانياً: وعيد من الآمر المكره بتوجه الضرر على المكره عند عدم صدور العقد منه، هذا الضرر اما عليّ او من يهمنى امره كالولد والزوجة.

ثالثاً: علم او ظن او احتمال المكره بترتب الضرر على المكره عليه، ففي هذه الصورة تكون المعاملة فاقدة لطيب النفس وفاقدة للرضا المعاملي.

رابعاً: ان يكون الضرر مضراً بالمكره عليه، كأن يقول له ان لم تبيع البيت اقتلك، فالاكراه إنما يتحقق مع كون الضرر مضراً بالمكره عليه.

خامساً: ان يكون الضرر المتوعد به غير مستحق للمكره، اما اذا قال لي اما ان تبيع دارك فان لم تبع دارك فاطالبك بالدين الذي لي عليك وقد حلّ اجله، فهنا لا يوجد اكراه، لأن الضرر الذي توعدني به مستحق عليّ فالاكراه لا يتحقق في صورة كون الضرر مستحق،

سادساً: ان لا يكون المكره قادراً على التخلص من الضرر المتوعد به، فاذا اكرهه على بيع الدار وشهر السلاح ولكن يمكن الانتقال من الغرفة التي فيها الظالم المتسلّط الى الغرفة التي فيها اعوان وانصار يمنعون الظالم، فان الاكراه لا يتحقق الاّ اذا كان المكره غير قادر على التخلص من الضرر، او التمكن من الخلاص بتورية فلابد من إعمال ذالك، والعقد اذا وقع فهو غير مكره عليه.

التورية

بعض علمائنا قال ان التورية هي كذب باعتبار ان الكذب هو مخالفة ما يخطره في ذهن الغير للواقع، اخطار في ذهن الغير شيئا مخالفا للواقع فالكذب هو مخالفة مايخطره في ذهن الغير للواقع، فحينئذ لا يكون هناك فرق بين التورية والكذب، وهناك من يذهب الى حرمة التورية لأنه يرى ان الكذب مخالفة ما اخطره في ذهن الغير للواقع، أي يقول اقرضني وانا عندي ان اقرضه ولكن اقول له ليس في يدي شيئ واقصد ان في يدي لايوجد شيئ وهو تصور انني لا يوجد عندي مال، يقول البعض من العلماء هذا كذب لان الكذب هو مخالفة مااخطره في ذهن الغير للواقع، اذا لافرق بين الكذب والتورية عند بعض ، اما بناء على ان الكذب عدم تطابق الارادة الاستعمالية للارادة الجدية، ففي التورية حينما استعمل الجملة المتقدمة فقد تطابقت الارادة الاستعمالية للارادة الجدية فلا كذب، فان الكذب عدم تطابق الارادة الاستعمالية للارادة الجدية وفي التورية تطابقت الارادة الاستعمالية للارادة الجدية.

فعلى القول ان التورية غير الكذب، نقول ان المكره اذا استطاع التورية و لم يوريّ فهو ليس مكره والعقد صحيح.

اذا اتضح معنى الاكراه، فنقول:

ما هي علاقة عقود الاذعان ببيع الاكراه فهل عقود الاذعان هو عقد اكراهي فيبطل أوان عقود الاذعان ليست عقود اكراهية فنقول بناء على ان الاكراه هو هذه الامور الستة المجتمعة فان عقد الاذعان ليس عقدا اكراهيا لعدم وجود مكره على العقد وعدم وجود متوعد بالضرر يفعله، ولا يوجد الشرط السادس، فان الانسان يمكنه ان لا يوجد العقد اصلاً، فالاكراه ليس موجودا في عقود الاذعان لعدم وجود المكره على الفعل وعدم الوعيد وعدم احتمال وجود ضرر من أيّ فرد ان لم تتحقق المعاملة، نعم هناك ضرر يتوجه لمن لا يعقد العقد مع شركة الكهرباء، وهذا ليس اكراه وليس هو ضررا اضافيا زائدا على عدم ابرام العقد، ولعل الدكتور السمهوري عندما يتعرض لعقود الاذعان كانه ملتفت ان عقود الاذعان لا يوجد فيها اكراه للمذعن فعبر بهذا التعبير، يقول: ولما كان المذعن في حاجةالى التعاقد على شيئ لا غناء عنه فهو مضطر الى الاذعان والقبول فرضاه موجود ولكنه يكاد يكون مكرها عليه.

اذاً عقود الاذعان ليس فيها اكراه فمن يريد، ان يبطل العقد الاذعاني بوجود اكراه على العاقد هذا خطأ فضيع، فان المتعاقد في عقود الاذعان لا اكراه عليه لعدم توفر اي واحد من الشروط الستة لتحقق الاكراه فلا يوجد مكره ولا متوعد بالضرر ولا يوجد ظن او احتمال بالضرر اذا لم يوقع العقد اذاً لا يوجد اكراه، نعم هنا مضطر لحصوله على هذه الامتيازات التي يحصل من التعاقد معها، فهناك علاقة بين عقود الاذعان وبين الاضطرار فهل هذا الاضطرار يبطل العقد او لا يبطل العقد، فتبين ان عقود الاذعان ليست عقودا اجبارية بحيث ترفع القصد، وليست العقود الاذعانية هي باطله للادلة على بطلان عقد المكره، نعم عقود الاذعان فيها اضطرار فما هي علاقة عقود الاذعان لبيع المضطر من حيث الخضوع للشروط التي تقلل من مسؤلية الموجب وتشدد من مسؤلية القابل فما تقدم كله يقول ان عقد المكره باطل اما عقد المضطر فهل هناك دليل يبطل عقد المضطر او لا يوجد دليل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo