< قائمة الدروس

بحث الفقه - الاستاذ حسن الجواهري

العقود

31/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان:عقود الاذعان

في مسألة عقود الاذعان نريد أن نبيّن شيئاً، وهو :

توجد نظرية تقليدية للعقود سابقاً اتبعها الناس، والآن توجد نظرية ثانية وجديدة للعقود:

النظرية التقليدية للعقود تقول بأن الاصل في العقد سواء كانت العقود مكتوبة او غير مكتوبة، الاصل في العقود هو عقود التراضي التي تتم وفقاً للرضا التام بالنسبة للطرفين في تحديد محل العقد وشروط العقد بلا اضطرار ولا اكراه (من قبل هيكلية السوق) حتى بالمعنى الاقتصادي، لان السلع والمنافع سابقاً متوفرة ومعروضة ومصادر السلع متنوعة، والتجار متنوعون ومتكثرون، فتوجد منافسة قوية بين الشركات والتجار على تقديم افضل وارخص السلع، اذاً التوافقات والعقود لابد ان يكون فيها رضا تام على محل العقد وعلى شروطه بلا اضطرار واكراه.

لكن نتيجة التقدم الاقتصادي الذي نحن فيه في هذا الزمان هناك سلع تحتكرها الحكومة او تحتكرها بعض الشركات العملاقة او امتياز تحصل عليه بعض الشركات المحظوظة اي تحصل على ترخيص حكومي رسمي، والنتيجة كل ماتفرضة هذه الشركة من الثمن على السلع لابد من الأخذ به، خصوصاً السلع الاساسية والحياتية التي لايمكن العيش بدونها او لايمكن مسايرة التطور الحضاري بدونها، في هذه الحالة يتحوّل احد المتعاقدين وهو الضعيف الى متعاقد تملى عليه الشروط من قبل القوي وهو المتعاقد الآخر، وبهذا فان العقود التقليدية التي فيها تراضي الطرفين بدون اكراه وبدون اضطرار هذا لايُعمل به الآن، لكن الآن الموجود هو اكراه اقتصادي بمعنى ان كيفية ووضع السوق الحالية هي بهذه الصورة (وهو رضاً مكره به) فمسايرة الحياة الاقتصادية تقتضي قبول هكذا عقد .

والسؤال الآن: هل ان العقود التي فيها هذا الرضا الاقتصادي نتيجة احتكار الدول لبعض المواد هل يوجب خللاً أو ان هذا الاكره الاقتصادي لايوجب خللاً ؟ هناك نصوص من الشارع على ان الاكراه من الغير المتفرع على ان افعل شيئ والاّ فسيضررني هذا الاكراه من الغير المتسلط على ان افعل شيئ والاّ فسيقتلني مثلاً فهذا الاكراه يبطل العقد، اما هذا الاكراه الاقتصادي الذي هو نتيجة الوضع الاقتصادي الحضاري فان هذه السلعة لا توجد الاّ عند هذه الشركة فقط، فهل مثل هذا الاكراه يوجب بطلان العقد او لا ؟

ثم سؤال ثاني: هذا الاضطرار الذي يصيب الضعيف هل يوجب خللاً في صحة العقد او لا ؟

وثالثاً: هل يمكن تسمية هذه العقود عقود احتكارية واستغلالية محرمة ام لا ؟، او لابد ان يقف منها ولي الامر ويحرمها تحريماً حكومياً باعتبار المصلحة الحالية، لان الاحتكار المحرم تحريماً ذاتياً يقع على اعيان خاصة ومعينة.

سوف تأتي الاجابات على هذه الأسئلة الثلاثة فيما بعد .

نرجع الآن الى طبيعة عقود الاذعان، فنقول هناك نظريتان متقابلتان في عقود الاذعان :

الاولى: تقول ان عقود الاذعان ليست عقود بل هي قانون ونحن ملزمون باجراء القانون، وقد ذهب اليه القانوني الغربي تالي وتابعه أيضاً فقهاء القانون العام فانكروا ان تكون عقود الاذعان صبغتها تعاقدية، لانهم قالوا ان العقد لابد ان تتوافق فيه الارادتان عن حرية واختيار وهنا الضعيف ليس حراً وليس مختاراً بل الضعيف هنا مذعن وراضخ للامر، فعقود الاذعان عبارة عن قوانين لتنظيم الروابط الاقتصادية فالمذعن لايستطيع الاّ ان ينزل على حكم شركات الاحتكار والرابطة بين المذعن والشركة رابطة قانونية، فان عقد الاذعان هو وليد ارادة واحدة وهو ارادة القوي فهو قانون، واما العقد فهو وليد ارادتين فالعقد له تفسير آخر وهو يفسر حسب ارادة البائع والمشتري ولاتوجد فيه مصلحة عامة، فعقود الاذعان ظاهرة قانونية اصبحت معتادة في الوقت الحاضر.

الثانية: وهو رأي غالبية فقهاء القانون المدني وهو ان عقد الاذعان عقد حقيقي يتم بتوافق ارادتين ارادة المحتكر وارادة الآخر فهو عقد يخضع للقواعد التي تخضع لها جميع العقود، حتى لو قلنا ان احدهما ضعيف امام الآخر الاّ ان هذا لايوجب تغير الظاهرة الى قانونية بل تبقى الظاهرة ظاهرة اقتصادية، ثم كون احد المتعاملين ضعيف، لايمكن تجنبه حتى قبل التقدم الاقتصادي، بل ظاهرة عقود الاذعان أقل ضرراً من العقود الاخرى لان العقود الاخرى اذا لم يكن فيها شروط واحدة فيبقى القوي يتحكم بالضعيف، فعقود الاذعان وان كان احدهما ضعيفاً الاّ ان ضررها أقل من عقود غير الاذعان (اي الامور الاحتكارية)، فعقود الاذعان الكل فيها متساوي، وما يقال من ان المحتكر له الغلبة في التعاقد بحيث انه يضع ما يشاء من الشروط فان هذا كلام مبالغ فيه وغير صحيح لأن صاحب الشركة ايضاً خاضع للظروف الاقتصادية المحيطة به وهذه الظروف هي التي تملي عليه الشروط والاثمان فيضع السعر والشرط حسب الوضع الاقتصادي، بل في بعض الاحيان صاحب الشركة يكون ضعيفاً امام المشتركين وذلك اذا اجتمع المشتركون على مقاطعة الشركة وعليه ففي بعض الاحيان المستهلكون يكونون أقوى من الشركة، فعقد الاذعان هو عقد حقيقي يتم حسب توافق ارادتين وان كانت احداهما ضعيفة مالم تستغل فاذا استغلت يتدخل القضاء لمنع الاستغلال، اذاً هذه الظاهرة اقتصادية لا قانونية، ثم ان المشرع وهو ولي الامر(لا القضاء) يدخل لينظم عقود الاذعان ويجعل لها حدود ويحمي بها الجانب الضعيف وهذه الحماية من ولي الامر تفضّل على حماية القضاء حيث يختلف القضاة في التفكير وتتباين اجتهاداتهم فالمشرع ينظم عقد الاذعان تنظيماً تشريعيا كتنظيم عقد العمل وعقد النقل البري وعقد التأمين فالمشرع يضع قوانين للشركات العملاقة بان سعر الوحدة الكهربائية كذا والشروط كذا وغير ذلك مما يتقوّى به الجانب الضعيف.

نظرية ثالثة: توجد هناك نظرية ثالثة تقول ان عقود الاذعان تقسم الى جهتين ، جهة تم عليها التعاقد بارادة المتعاقدين وهي التي تتناول عناصر العقد المهمة، والشروط التعسفية تفسر كما يفسر القانون، فالعقد يشمل امور اساسية وامور تفصيلية، اما الامور الاساسية فقد تم الموافقة عليها واما الامور التفصيلية فتفسر على انها قانون.

الآن اي النظريتين نرجحها على النظرية الثانية فهل عقود الاذعان ظاهرة قانونية او ظاهرة اساسية؟، ياتي الكلام عليها انشاء الله .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo